13 - أخبار المرقش وصاحبته أسماء
هو عمرو أو عوف بن سعد بن مالك بن قيس بن ثعلبة بن ربيعة أعلى قبائل طيء، ولد باليمن قبل خروج ربيعة ثم انتقلوا إلى العراق فنشأ بها وله اخوان أنس وحرملة رفعهم أبوهم إلى نصراني ببغداد يتعلمون الكتابة، وكان سعد والده يرى دين النصرانية، ومات فقام عمرو مقامه في العرب، فكان شجاعاً مهاباً في العرب.
خرج يوماً وقد قطع وادي نجران بأسد ونمر فلم يطق أحد أن يمر منهما فلما رأى عمرو الأسد وثب عليه فزاوغه ووثب فصار على ظهره فأمسك أذنيه مستثبتاً ثم دق رأسه وسلخ جلده، فلما أحس بالنمر ألف في جلد الأسد وناماً سيفه فوثب النمر لينزل عليه فتلقاه بالسيف ثم سلخه، وأخذ جلده عليه وأقبل على العرب فسموه المرقش، وقيل سمي بذلك لقوله:
الدار قفر والرسوم كما - رقش في ظهر الأدني قلم
ومن ولد أخيه حرملة رجل دعته العرب بالمرقش الأصغر لشبهه ذاك.
وأسماء هي بنت عوف بن سعد بن مالك أيضاً، وكان عمرو قد ألفها من التربية صغيرين فخطبها
إلى عمه فأنعم ومضى عمرو إلى جار الفلاة فمدحه، وحظى عنده فأمسكه مدة وأن الغلاء وقع بالبادية وطرقها جدب فقدم مرادي على عوف فخطب أسماء فزوجه بها على مائة ناقة واحتملها إلى قومه وعمدوا إلى عظام كيس فذبحوه ودفنوا عظامه وصيروها قبراً، فلما قدم عمرو أخبروه أنها ماتت وأروه القبر فلزمه حتى ضني وتغير حاله فبينما هو يوماً منتحباً إذ سمع ولداً قد اقتتل مع آخر على كعب يقول هذا أخذته من عظام الكبش الذي دفن وقيل لعمرو أنها أسماء فدعاه وسأله الخبر فحين عرف ذلك دعا بزوج ابنته وسارا في طلب المرادي. فقيل إن إخوته شعروا به فردوه فمات وتظافرت الأخبار بأنه وصل إلى واد بقرب مراد وقد ثقل عليه المرض فقال زوج ابنته لها اتركيه واذهبي بنا فقد أجهدنا، فلما سمع ذلك كتب على مؤخرة الرحل:
يا صاحبيّ تلبثا لا تعجلا - إن الرواح رهين أن لا تفعلا
فلعل لبثكما يقرّب بيننا - أو بسبق الاسراع سيبا مقبلا
يا راكباً ما عرضت فبلغن - أنس بن سعد إن لقيت وحرملا
للّه درّكما ودرّ أبيكما - لا يفلت العبدان حتى يقتلا
من مبلغ الأقوام أن مرقشاً - أضحى على الأصحاب عيا مثقلا
وكأنما ترد السباع بشلوه - إذ غاب جمع بني ضبيعة منهلا
و البيت الرابع فيه مشاركة مع المهلهل
فلما رأى أخوته الكتابة قتلا الرجل والمرأة، وأما عمرو فحين ذهبا عنه بقي مطروحاً فأوى إلى غار هناك وكان يألفه راع من مراد بينما هو به إذا هو بغنم وراعيها. فلما بصر به الراعي قال له من أنت فأعله باسم الذي هو عنده فإذا هو زوج أسماء فقال له تكلم مولاتك قال لا ولكن تأتيني جارية من عندها لأخذ اللبن. قال في النزهة وكانت أسماء قد مرضت أيضاً شوقاً إليه فلم تغتذ إلا بقدح من لبن في اليوم، فنزع عمرو خاتمه وقال للراعي ألقه في القدح فستصيب به خيراً، فلما رأته دعت الجارية فأخبرتها أن لا علم لها فنادت زوجها وأخبرته القصة فاستحضر الراعي، فلما عرفه ركب وأركب زوجته فأدركوا عمراً وبه رمق فاحتملوه عندهم، فمات وقيل أنشد عند موته:
سما نحوي خيال من سليمى - فأرّقني وأصحابي هجود
فبت أدير أمري كل حال - وأذكر أهلها وهم بعيد
على أن قد سما طرفي لنار - يشب لها بذي الارطي وقود
حواليها مها بيض التراقي - وآرام وغزلان رقود
نواعم لا تعالج بؤس عيش - أوانس لا تروح ولا ترود
يرحن معاً بطاء المشي روداً - عليهنّ المجاسد والبرود
سكنّ ببلدة وسكنت أخرى - فقطعت المواثق والعهود
فما بالي أفي ويخان عهدي - وما بالي أصاد ولا أصيد
وربّ أسيلة الخدّين بكر - نعمة لها فرع وجيد
وذي أشر شنيب النبت عذب - نقيّ اللون برّاق برود
لهوت بها زماناً في شبابي - وزين بها النجائب والقصيد
أناس كلما أخلقت وصلاً - عناني منهم وصل جديد
وله:
أغالبك القلب اللجوج صبابة - وشوق إلى أسماء أم أنت غالبه
يهيم ولا يعني بأسماء قلبه - لدات الهوى امراره وعواقبه
وعلى قوله راكباً البيتين أورد المصنف الحكاية المشهورة دليلاً على ذكاء العرب وأسندها إلى
مجهول وأصلها قال في روضة القلوب أن أسامة بن غسان بن حارث الكناني قتل أبو صبراً في
تميم، فخرج يستجيش له نصرة وذلك قبل يوم أوارة بأعوام يسير، فلما طال عليه المدى وقد صحب عبدين لخدمته ولحقته علة فعزما على قتله، فلما أحس ذلك قال لهما هل أنتما مبلغا ابنتي هذين البيتين قالا وما هما قال تقولان:
ألا يا بنات الحيّ أن أباكما للّه در كما ودر أبيكما
فلما أتيا الحيّ أخبرا بموته فقالوا هل أوصي بشيء، فقالا لا ضرر عليا فيما ذكره وذكرا لهم القول، فقالت إحدى بناته اقتلوا العبدين قد قتلا أبي فقالوا ومن أين لك ذلك قالت إن هذا الكلام سفه وهدر وقد كان مصوناً عن ذلك وإنما كتم عنهما تكملة البيتين والأصل:
ألا يا بنات الحيّ إن أباكما - أضحى قتيلاً في التراب مجندلا
للّه دركما ودر أبيكما - لا يبرح العبدان حتى يقتلا
فاستخبروهما فأقرا بالقصة. قلت وفي البيت خزم بالحرف الأول وهو عيب مشهور سائغ الاستعمال في الصناعة. وقوله بنات الحي، ثم عدل إلى التثنية في قوله أن أباكما جرياً على الغالب في خطاب العرب فإنهم يستعملون التثنية في موضع الجمع والأفراد.
قال ابن النحاس وأصل ذلك أن البدوي كان أكثر ما يكون مع راعيه ورفيقه أو أن نزل ابنتيه منزلة
الجمع تعظيماً، ثم عاد إلى أصله وقد حكى في شرح العبدونية هذه القصة عن المهلهل، وقال في
صدر البيت الأول من مبلغ الأقوام أن مهلهلاً والباقي على القصة المعروفة .