جبـل العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


نلتقي لنرتقي ،، !!
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصص ولطائف الأقدمين

اذهب الى الأسفل 
+3
سيرين
القرنفال الأحمر
nemer
7 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالأحد يونيو 20, 2010 7:10 pm

1 - أنس الوجود :
رأى أنس الوجود وهو من الشعراء المغمورين في التاريخ العربي فتاة حلوة القدّ صحيحة الجسم بهية الطلعة تمشي بغنج يحف من حولها الحجاب و الخدم فأعجب بها و استلطفها حتى أصابت قلبه سهامها فكتب لها هذه الأبيات و دفعها إلى جاريتها يقول فيها :

أعلل قلبي في الغرام وأكتم * ولكن حالي عن هواي يترجم
فلو فاض دمعي قلت جرح مقلتي * لئلا يرى حالي العذول فيفهم
وكنت خلياً لست أعرف ما الهوى * فأصبحت صباً والفؤاد متيم
رفعت إليكم قصتي أشتكي بها * غرامي ووجدي كي ترقوا وترحموا
سطرتها من دمع عيني لعلها * بما حل بي منكم إليكم تترجم
رعى الله وجهاً بالغرام مبرقعا * له البدر عبد والكواكب تخدم
على حسن ما رأيت مثيلها * ومن ميلها الأغصان عطفاً تعلم
وأسألكم من غير حمل مشقة * زيارتنا إن الوصال معظم
وهبت لكم روحي عسى تقبلونها * فلي الوصل مني والصدود جهم

فأخذت الجارية الكتاب وأعطته إلى سيدتها, فلما قرأت ذاك الكتاب هاج منها الوجد والغرام وكتبت له تقول:

يا من تعلق قلبه بجمالنا * أصبر لعلك في الهوى تحظى بنا
لما علمنا أن حبك صادق * وأصاب قلبك ما أصاب فؤادنا
زدناك فوق الوصل مثله * لكن منع الوصل من حجابنا
وإذا تجلى الليل من فرط الهوى * تتوقد النيران في أحجابنا
وجت مضاجعنا الجنوب وربما * قد برح التبريح في أجسامنا
الفوض في شرع الهوى كتم الهوى * لا ترفعوا المسبول من أستارنا

فلما فرغت من شعرها طوت الكتاب وأعطته إلى الخادمة فأخذته وخرجت من عندها, فصادفها الحاجب فقال لها: أين تذهبين؟ فقالت إلى بعض أعمالي وقد انزعجت منه فوقعت منها الورقة دون انتباه , فبينما كان بعض الخدم يمشي في تلك الجهة وقع نظره على الورقة فأخذها وقدمها إلى الوزير , فلما قرأها وفهم فحواها هاج منه الغيظ والغضب وجاء إلى أبنته ( ورد ) لائماً مندداً. ثم أمر بعض الخدم بإبعادها وأخذ مكان لها يكون بعيداً في البرية , فلما علمت بذلك زاد منها القلق وكتبت قبل ذهابها هذه الأبيات على باب حجرتها :

بالله يا دار مر الحبيب ضحى * مسلماً بإشارات يحيينا
أهديه منا سلاماً زاكياً عطراً * لأنه ليس يدري أين أمسينا
ولست أدري إلى أين الرحيل بنا * لما مضوا بي سريعاً مستخفينا
في جنح ليل وطير الأيك قد عكفت * على الغصون تباكينا وتنعينا
وقال عنها لسان الحال وأحربا * من التفرق ما بين المحبينا
لما رأيت كؤوس المر قد ملئت * والدهر من صرفها بالقهر يسقينا
مزجتها بجميل الصبر متذراً * وأنكم الآن ليس الصبر يسلينا

ولما فرغت من شعرها , ركبت وساروا بها يقطعون القفار , حتى وصلوا إلى مكان منفرد أمام شاطيء نهر , فنصبوا لها خيمة ووكلوا بها أعظم الخدم , و لما أظلم الظلام تذكرت حالها وكيف فارقت أطلال الحبيب فسكبت العبرات وأنشدت تقول:

جن الظلام وهاج الوجد بالسقم * والشوق حرك ما عندي من الألم
ولوعة البين في الأحشاء قد سكنت * والفكر صيرني في حالة العدم
والوجد أقلقني والشوق أحرقني * والدمع باح بسر أي مكتتم
وليس لي حالة في العشق أعرفها * من رق عودي ومن سقمي ومن ألمي
جحيم قلبي من النيران قد سعرت * ومن لظى حرها الأكباد في نقم
ما كنت أملك نفسي أن أودعهم * يوم الفراق فيا قهري ويا ندمي
يا من يبلغهم ما حل بي وكفى * إني صبرت على ما خط بالقلم
أقسمت لا حلت عنهم في الهوى أبداً * يمين شرع الهوى مبروة القسم
يا ليل سلم على الأحباب مخبرهم * وأشهد بعلمك أني فيك لم أنم

أما أنس الوجود فإنه بعد كتابة الأبيات وإرسالها إلى محبوبته جلس يتقد بنار الغرام فلم يستطع صبرا ً عليها فقصد بيتها في اليوم الثاني , فسأل عنها الخادمة فأعلمته بالخبر وأطلعته على ما كتبت من أبيات على الباب فلما قرأ تلك الأبيات , زاد منه الوجد والقلق وسار في عرض القفار لا يرتاح إلى سمير ولا يلذ له الكلام , إلى أن رأى رجلاً أهداه إلى مكانها فبينما هو سائر إلى حبيبته وقع نظره على طير حمام يهزأ منه الأيك فهاج منه لاعج الغرام وأنشد يقول :

يا حمام الأيك أقريك السلام * يا أخا العشاق من أهل الغرام
أنني أهوى غزالاً أهيفاً * لحظه أقطع من حد الحسام
في الهوى أحرق قلبي والحشا * وعلا جسمي نحول وسقام
ولذيذ الزاد قد حرمته * مثل ما حرمت من طيب المنام
وأصطباري وسلوى رحلا * والهوى بالوجد عندي قد أقام
كيف يهنا العيش لي من بعدهم * وهم روحي وقصدي والمرام

أما حبيبته ورد فإنها بينما كانت تخطر حول خيامها إذ رأت موكباً حافلاً عن بعد فدنت منه فإذا في وسطه أمير خطير فلما وقع نظره عليها عجب من رائق جمالها وهاله ما رأى فيها من شدة الضعف والهزال , فسألها عن حالها وما ألم بها. فأعلمته القصة على التمام وما جرى لها أولاً وأخرا , فرق لها قلبه وبعث فاسترضى أباها وأرسل من يأتي بأنس الوجود. فما مضى إلا القليل حتى صادفوه قريباً من خيام محبوبته . فلما جاءوا به إليها مالت عليه كغصن البان فضمها إلى صدره وأنشد يقول :

ما أحيلاها ليلات الوفا * حيث أمسى لي حبيبي منصفا
نصب السعد لنا أعلامه * وشربنا منه كأساً قد صفا
وأجتمعنا وتشاكينا الأسى * وليلات تقضت بالجفا
ونسينا ما مضى يا سادتي * وعفا الرحمن عما سلفا


وعاشا معاً في ألذ عيش وأهنأ بال، وكان لا يفارقها لحظة واحدة، وهكذا تذوقا لذة الحب بعد العذاب


++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرنفال الأحمر
الادارة العامة
الادارة العامة
القرنفال الأحمر


جنسيَ » : انثى
مشآرگاتيَ » : 11342
نقآطيَ » : 102740
تآريخ التسجيــل : 06/05/2008

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالأحد يونيو 20, 2010 7:55 pm

موضوع جديد وممتع
ارجو ان تستمر به وساثبته الان ليبقى مرجعا لنا
اشكرك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سيرين
مشرفة أقسام الأغاني
مشرفة أقسام الأغاني
سيرين


جنسيَ » : انثى
مشآرگاتيَ » : 1408
نقآطيَ » : 82104
تآريخ التسجيــل : 30/10/2009

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالأحد يونيو 20, 2010 11:20 pm

ألف شكر لك
الله يعطيك العافية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فارس بلا جواد
الادارة العامة
الادارة العامة
فارس بلا جواد


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 9823
عمريَ » : 55
نقآطيَ » : 101185
تآريخ التسجيــل : 02/06/2008

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالإثنين يونيو 21, 2010 2:26 am

الله الله

فعلا ما ارقى هذا الحب

كان كل شيء صادق بكل الاحاسيس

الف شكر لك رائع ما قدمت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://qisip.com/
د نظام محسن
المراقب العام
د نظام محسن


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 6187
عمريَ » : 53
مكآنيَ » : السعودية
نقآطيَ » : 89876
تآريخ التسجيــل : 17/04/2009

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالإثنين يونيو 21, 2010 2:38 am

مشكور على الانتقاء الجميل
مودتي لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالإثنين يونيو 21, 2010 4:40 pm

الأخوة
ميمونة اليونس
سيرين
فارس بلا جواد
د . نظام محسن
كل الشكر لكم على هذا التشجيع الرائع
الذي يدفعني لتقديم الأكثر و الأمتع
و سأكون عند حسن ضنكم
و سكرا ً للإدارة و الأخت ميمونة
على هذا التقدير
و لكم مني الوفاء
تحياتي للجميع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالإثنين يونيو 21, 2010 4:44 pm

2 - أخبار قيس ولبنى

هو قيس بن ذريح بن سنة، يتصل نسبه ببكر بن عبد مناة عذري وهو من خزاعة واسم أبيه علي أو هو جده، وكان ينزل بظاهر المدينة وهو رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب، وسبب علاقته بلبنى بنت الحباب الكعبية أنه مر ببني كعب ذات مرة و الحر محتدم فاستسقى الماء من إحدى خيامهم , فبرزت له فتاة مديدة القامة بهية الطلعة عذبة الكلام سهلة المنطق فناولته وعاء ماء، فلما ارتوى قالت له : هل تتفيئ عندنا، وقد تمكنت من فؤاده فقال : نعم، فمهدت له البساط واستحضرت ما يحتاج إليه حتى جاء أباها , فلما وجده رحب به ونحر له جزوراً وأقام عندهمطوال اليوم ثم انصرف وهو أشغف الناس بها , فجعل يكتم ذلك إلى أن غلب عليه فنطق فيها بالأشعار وشاع ذلك عنه وأنه مر بها ثانياً فنزل عندهم وشكا إليها حين تخاليا ما نزل به من الوجد فوجد عندها أضعاف ذلك ما عنده فانصرف وقد علم كل واحد ما عند الآخر.
فمضى إلى أبيه فشكا إليه فقال له دع هذه وتزوج بإحدى بنات عمك، فغم منه وجاء إلى أمه فكان منها ما كان من أبيه فتركهما وجاء إلى الحسين بن علي وأخبره بالقصة فرثى له والتزم له أن يكفيه هذا الشان.
فمضى معه إلى أبي لبنى فسأله في ذلك فأجابه بالطاعة، وقال يا ابن رسول الله لو أرسلت لكفيت، بيد أن هذا من أبيه أليق كما هو عند العرب فشكره ومضى إلى أبي قيس.
وعندما علم الحسين بن علي انقباض أبي قيس عن ذلك، جاء إليه حافياً على حر الرمل ، وكان ذريح ملياً فمضى مع الحسين حتى زوج قيساً بلبنى. و يقال أن الحسين عليه السلام دفع المهر من ماله .
أقام قيس و لبنة مدة مديدة على أرفع ما يكون من أحسن الأحوال ومراتب الاقبال، وفنون المحبة و الإدلال .
وكان قيساً على أبلغ ما يكون من أنواع البر بأمه فشغله الانهماك مع لبنى عن بعض ذلك فحسنت لأبيه التفريق بينهما فقالت له يوماً لو زوجته بمن تحمل لتجيء بولد كان أبقى لنسبك واحفظ لبيتك ومالك، وأنهما عرضا على قيس ذلك فامتنع امتناعاً يؤذن باستحالة ذلك، وأقام يقاومهما عشر سنين إلى أن أقسم أبوه لا يعلوه سقف أو يطلق قيس لبنى. فكان إذا اشتد الهجير يجيئه فيلظيه بردائه ويصطلي هو حتى يجيء الفيء فيدخل إلى لبنى فيتعانقان ويتباكيان وهي تقول له لا تفعل فتهلك إلى أن قدر أن طلقها، فلما أزمعت الرحيل, جاء وقد قوضوا خيامها فسأل الجارية عن أمرهم فقالت سل لبنى فأتى إليها فمنعه أهلها وأخبروه أنها غد ترحل إلى أهلها فسقط مغشياً عليه، فلما أفاق أنشد:

وإني لمفن دمع عيني بالبكى * حذار الذي قد كان أو هو كائن
وقالوا غداً أو بعد ذاك بليلة * فراق حبيب لم يبن وهو بائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي * بكفيك إلا أن ما حان حائن

ثم وقال :

يقولون لبنى فتنة كنت قبلها * بخير فلا تندم عليها وطلق
فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي * وأقررت عين الشامت المتملق
وددت وبيت اللّه أني عصيتم * وحملت في رضوانها كل موثق
وكلفت خوص البحر والبحر زاخر * أبيت على اثباج موج مفرق
كأني أرى الناس المحبين بعدها * عصارة ماء الحنظل المتفلق
فتنكر عيني بعدها كل منظر * ويكره سمعي بعدها كل منطق

وسقط غراب بحيث ينظره فنعق حين رحيلها فأنشد:

لقد نادى الغراب ببين لبنى * فطار القلب من حذر الغراب
وقال غداً تباعد دار لبنى * وتنأى بعد ود واقتراب
فقلت تعست ويحك من غراب * وكان الدهر سعيك في تباب

وتبعها حين ارتحلت ينظر إليها، فلما غابت رجع يقبل الطريق التي رحلت منه ، فلاموه على ذلك فأنشد:

وما أحببت أرضكم ولكن * أقبل أثر من وطىء الترابا
لقد لاقيت من كلفي بلبنى * بلاء ما أسيغ له الشرابا
إذا نادى المنادي باسم لبنى * عييت فلا أطيق له جوابا

ولما أجنه الليل أوى إلى مضجعه فلم يطق قرارا ً فجعل يتململ ويتمرغ في موضعه ويقول:

بت والهم يا لبينى ضجيعي * وجرت مذ نأيت عني دموعي
وتنفست إذ ذكرتك حتى زالت اليوم عن فؤادي ضلوعي
يا لبينى فدتك نفسي وأهلي هل لدهر مضى لنا من رجوع

ويقول :

قد قلت للقلب لا لبناك فاعترف * قضت لبانة ما قضيت فانصرف
قد كنت أحلف جهدي لا أفارقها * أُف ٍ لكثرة زيف القيل والحلف
حتى تكنفني الواشون فافتلتت * لا تأمنن أبداً من غش مكتنف
هيهات هيهات قد أمست مجاورة * أهل العقيق وأمسينا على سرف
حيّ يمانون والبطحاء منزلها * هذا لعمرك شكل غير مؤتلف

وأرسلت إليه يوماً أمه بنات يذكرن لبنى بالعيب عنده ويلهينه بالتعرض إلى وصلهن فأنشد:
يقر لعيني قربها ويزيدني * بها عجباً من كان عندي يعيبها
وكم قائل قد قال تب فعصيته * وتلك لعمري توبة لا أتوبها
فيا نفس صبر الست واللّه فاعلمي * بأول نفس غاب عنها حبيبها

فوطن البيت , ولم يفارقه ، ولما اشتد شوقه وزاد غرامه أفضى به الحال إلى مرض ألزمه الوساد واختلال العقل واشتغال البال، فلام الناس أباه على سوء فعله فجزع وندم وجعل يتلطف به، فأرسل له طبيبا ًو مداويات , يسألون عن حاله ويلهونه، فلما أطالوا عليه أنشد:
عند قيس من حب لبنى ولبنى * داء قيس والحب صعب شديد
فإذا عادني العوائد يوماً قالت العين لا أرى من أريد
ليت لبنى تعودني ثم أقضي أنها لا تعود فيمن يعود
ويح قيس لقد تضمن منها داء خبل فالقلب منه عميد

فقال له الطبيب كم لها هذه العلة بك ومتى كلفت بهذه المرأة فقال
:
تعلق روحي روحها قبل خلقنا * وليس إذا متنا بمنفصم العقد
فزاد كما زدنا وأصبح نامياً * وليس إذا متنا بمنصم المهد
ولكنه باق على كل حادث * وزائرتي في ظلمة القبر واللحد

فقال إنما يسليك عنها تذكر ما فيها من المساوي والمعايب وما تعافه النفس فقال:

إذا عبتها شبهتها البدر طالعاً وحسبك من عيب لها شبه البدر
لقد فضلت لبنى على الناس مثل ما على ألف شهر فضلت ليلة القدر
إذا ما شئت شبراً من الأرض أرجفت من البحر حتى ما تزيد على شبر
لها كفل يرتج منها إذا مشت * ومتن كغصن البان منضمر الخصر
وأن أباه دخل وهو يخاطب الطبيب بذلك فجعل يؤنبه ويلومه، فلما لم يفد ذلك عرض عليه التزويج فأنشد :
لقد خفت أن لا تقنع النفس بعدها * بشيء من الدنيا وإن كان مقنعا
وازجر عنها النفس إن حيل دونها * وتأبى إليها النفس إلا تطلعا

فلما أيس منه استشار قومه في دائه فاتفقت آراؤهم على أن يأمروه بالتجوال في أحياء العرب فلعله تقع عينه على امرأة تستميل عقله فاقسموا عليه أن يفعل ففعل وأنه اتفق أن نزل بحي من فزارة فرأى جارية قد حسرت عن وجهها برقع خز وهي كالبدر حسناً وبهجة فسألها عن اسمها فقالت لبنى فسقط مغشياً عليه فارتاعت منه ونضحت وجهه بالماء وقالت إن لم تكن قيساً لبنة فأنت مجنون.
فلما أفاق استنسبته فإذا هو قيس فأقسمت عليه أن ينال من طعامها، فتناول قليلاً ثم ركب و غادر الحي , فجاء أخوها على أثره فأعلمته القصة فركب حتى استرده وأقسم عليه أن يقيم عنده شهراً، فكان الفزاري يعجب به ويعرض عليه الصهارة حتى لامته العرب وقالوا نخشى أن يصير فعلك سنة فيقول دعوني في مثل هذا الفتى , وقيس يقول له إن فيكم الكفاية ولكني في شغل لا ينتفع بي معه شيئ ً , فألح عليه حتى عقد له على أخته ودخل بها فأقام معها أياماً لا تهش نفسه إليها ولا يكلمها ثم استأذن في الخروج إلى أهله فأذنوا له فخرج إلى المدينة وكان له بها صديق فأعلمه أن لبنى قد بلغها تزويجه فغمت لذلك وقالت إنه لغدار وإني طالما خطبت .
و كان أبا لبنى قد اشتكى قيساً إلى معاوية وإنه يشبب بابنته فكتب إلى مروان بهدر دمه وأمره أن يزوج ابنته بخالد بن خلدة الغطفاني وهو كندي حليف قريش فجعل النساء ليلة زفافها يغنينها:
لبينى زوجها أصبح * لا حر يوازيه
له فضل على الناس * وقد باتت تناجيه
وقيس ميت حقاً * صريع في بواكيه
فلا يبعده اللّه * وبعداً لنواعيه
ولما بلغ ذلك قيساً اشتد به الغرام فركب حتى أتى محلة قومها فقالت له النساء ما تصنع هنا وقد رحلت لبنى مع زوجها فلم يلتفت حتى أتى موضع خبائها فتمرغ به وأنشد:

إلى اللّه أشكوا فقد لبنى كما شكا * إلى اللّه بعد الوالدين يتيم
يتيم جفاه الأقربون فجسمه * نحيل وعهد الوالدين قديم

وأنشد حين بلغه هدر دمه:

فإن يحجبوها أو يحل دون وصلها * مقالة واش أو وعيد أمير ِ
فلن يمنعوا عينيّ من دائم البكا * ولن يذهبوا ما قد أجن ضميري
إلى اللّه أشكو ما ألاقي من الهوى * ومن كرب تعتادني وزفير ِ
ومن حرق للحب في باطن الحشا * وليل طويل الحزن غير قصير ِ
سأبكي على نفسي بعين غزيرة * بكاء حزين في الوثاق أسير ِ
وكنا جميعاً قبل أن يظهر النوى * يا نعم حالي غبطة وسرور ِ
فما برح الواشون حتى بدت لنا * بطون الهوى مقلوبة بظهور ِ
لقد كنت حسب النفس لو دام وصلنا * ولكنما الدنيا متاع غرور ِ

وقال أيضاً:

وإن تك لبنى قد أتى دون قربها * حجاب منيع ما إليه سبيل
فإن نسيم الجو يجمع بيننا * ونبصر قرن الشمس حين تزول
وأرواحنا بالليل في الحين تلتقي * ونعلم أنا بالنهار نقيل
وتجمعنا الأرض القرار وفوقنا * سماء نرى فيها النجوم تجول
إلى أن يعود الدهر سلما وتنقضي * ترات يرها عندنا وذحول

وحجت لبنى في تلك السنة فاتفق خروجه أيضاً فتلاقيا فأبهت وأرسلت إليه مع امرأة تستخبره عن حاله وتسلم عليه فأعاد السلام والسؤال وأنشد:

إذا طلعت شمس النهار فسلمي * فإني يسليني عليك طلوعها
بعشر تحيات إذا الشمس أشرقت * وعشر إذا اصفرت وحان رجوعها
ولو أبلغتها جارة قولي أسلمي * طوت حزناً وارفض منها دموعها

وحين انقضى الحج مرض مرضاً أنهكه فأكثر الناس من عيادته فجعل يتكفر لبنى وعدم رؤيته لها فأنشد:

ألبنى لقد جلت عليك مصيبتي * غداة غد إذ حل ما أتوقع
تمنيني نيلاً وتلويني به * فنفسي شوقاً كل يوم تقطع
ألومك في شأني وأنت مليمة * لعمري وأجفى للمحب وأقطع
وأخبرت أني فيك مت بحسرة * فما فاض من عينيك للوجد مدمع
إذا أنت لم تبكي عليّ جنازة * لديك فلا تبكي غداً حين أرفع

فحين بلغتها الأبيات جزعت جزعاً شديداً وخرجت إليه خفية على ميعاد فاعتذرت عن الانقطاع , وأعلمته أنها إنما تترك زيارته خوفاً عليه أن يهلك وإلا فعندها ما عنده ولكنها جلدة و صبورة .
ويروى أن قيساً انتقى ناقة من إبله وقصد المدينة ليبيعها فاشتراها زوج لبنى وهو لا يعرفه، ثم قال له ائتني غداً في دار كثير بن الصلت أقبضك الثمن، فجاء وطرق الباب فأدخله وقد صنع له طعاماً وقام لبعض حاجاته،فقالت المرأة لخادمتها سليه ما بال وجهه متغيراًشاحباً فتنفس الصعداء، ثم قال هكذا حال من فارق الأحبة. فقالت استخبريه عن قصته فاستخبرته فشرع يحكي أمره فرفعت الحجاب وقالت حسبك قد عرفنا حالك فبهت حين عرفها لا ينطق ساعة، ثم خرج لوجهه فاعترضه الرجل وقال ما بالك عدلت قبض مالك وإن شئت زدناك، فلم يكلمه ومضى فدخل الرجل فقالت له ما هذا الذي فعلت إنه لقيس فحلف أنه لا يعرفه، وأنشد قيس معاتباً لنفسه:

أتبكي على لبنى وأنت تركتها * وكنت عليها بالملا أنت أقدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت * فللدهر والدنيا بطون وأظهر
كأني في أرجوحة بين أحبل * إذا فكرة منها على القلب تخطر

وقيل أنه حين جاء ليقبض ثمن المطية رأى لبنى فعاد مبهوتاً فسأله الرجل فقال له لا تركب لي مطيتين فقال أنت قيس قال نعم قال ارجع لنخيرها فإن اختارتك طلقتها وظن الرجل أنها تبغض قيساً فخيرها فاختارت قيساً فطلقها لوقته.
ويحكي أن سبب طلاقها أن قيساً قصد ابن أبي عتيق وكان أكثر أهل زمانه مروءة في ذلك، فجاء إلى الحسن والحسين وأعلمهما أن له حاجة عند زوج لبنى وطلب أن ينجداه عليه فمضيا معه حتى اجتمعوا به وكلموه في ذلك فقال سلوا ما شئتم فقال له ابن أبي عتيق أهلاً كان أو مالاً قال نعم، فقال أريد أن تطلق لبنى ولك ما شئت عندي فقال أشهدكم أنها طالق ثلاثاً فاستحيوا منه وعوضه الحسن مائة ألف درهم وقال له لو علمت الحاجة ما جئت.
وروى أن لبنى عاتبت قيساً على تزويج الفزارية فحلف لها أن عينيه لم تكتحل برؤيتها ولم يكلمها كلمة واحدة وأنه لو رآها لم يعرفها وأخبرته لبنى أنها كاره زوجها وأعلمته أنها لم تتزوجه رغبة فيه بل شفقة على قيس حين أهدر دمه ليخلى عنها فطلقها حين علم ما بينهما وأرسل أخو الفزارية إلى قيس حين أبطا عنه يسأله الرجوع فأعاد الرسول بالخيار في أمر اخته فاختار الرجل عدم الفرقة
و يقال أن قيس قصد معاوية فمدحه فرق له وكان ذلك قبل طلاق لبنى فقال له إن شئت كتبت إلى زوجا بطلاقها فقال لا ولكن ائذن لي أن أكون ببلدها ففعل فنزل قيس حين زال هدر دمه بحبها وضاعف مدائحه فيها حتى غنى بها المغني معبد والغريض و اضرابهما فرق الناس له وأخذوا يلهجون بسيرته و يتناقلون أخر أخباره .
و يقال أنه عاد و تزوجا بعد طلاقها بطلب من ابن أبي عتيق و بقيا معا ً إلى أن ماتا بدليل مدح قيس لابن أبي عتيق :

جزى الرحمن أفضل ما يجازى * على الاحسان خيراً من صديق
فقد جربت إخواني جميعاً * فما ألفيت كابن أبي عتيق
سعى في جمع شملي بعد صدع * ورأى حدت فيه عن الطريق
وأطفأ لوعة كانت بقلبي * أغصتني حرارتها بريقي

و منهم من قال أن لبنى ماتت في العدة و أن مدح قيس هذا كان لما تأكد أن لبنى مضت عليها العدة .
وأن قيساً خرج حين بلغه موتها فوقف على قبرها وأنشد:

ماتت لبينى فموتها موتي * هل ينفعن حسرة على الفوت
إني سأبكي بكاء مكتئب * قضى حياة وجداً على ميت

ثم بكى حتى أغمي عليه فحمل ومات ودفن إلى جانبها وله أشعار كثيرة
ومنها:

لقد عنيتني يا حب لبنى * فقع إما بموت أو حياة ِ
فإن الموت أيسر من حياة * منغصة لها طعم الشتات ِ
وقال الآمرون تعز عنها * فقلت ولا إذا حانت وفاتي

ومنها:

نهاري نهار الناس حتى إذا بدى * لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى * ويجمعني بالليل والهم جامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشية * فموعدنا قرن من الشمس طالع
وللحب آيات تبين للفتى * شحوب وتبري من يديه الأشاجع
وما كل ما منيت نفسك خالياً * تلاقي ولا كل الذي أنت تابع
تداعت له الأحزان من كل وجهة * فحن كما حن الطيور السواجع
أراك اجتنبت الحي من غير بغضة * ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع
كأن بلاد اللّه ما لم تكن بها * وإن كان فيها الناس قفر بلاقع
ألا إنما أبكي لما هو واقع * وهل جزع من وشك بينك نافع
أحال عليّ الدهر من كل جانب * ودامت ولم تقلع على الفجائع
فمن كان محروقاً غدا لفراقنا * مذ الآن فليك لما هو واقع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرنفال الأحمر
الادارة العامة
الادارة العامة
القرنفال الأحمر


جنسيَ » : انثى
مشآرگاتيَ » : 11342
نقآطيَ » : 102740
تآريخ التسجيــل : 06/05/2008

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالإثنين يونيو 21, 2010 7:13 pm

متابعة مع الاحترام والتقدير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نزار محمد شجاع
مشرف أقسام نفحات من الإيمان والكاريكاتير
مشرف أقسام نفحات من الإيمان والكاريكاتير
نزار محمد شجاع


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 653
نقآطيَ » : 79595
تآريخ التسجيــل : 24/01/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 22, 2010 11:21 am

الله يعطيك العااافية
هل يوجد شعراء عذريين يموتون حباً على بعد 100 متر من خيمة الحبيبة
ومن أين كان هذا الفيض من الوصف والشعر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالأربعاء يونيو 23, 2010 12:31 am

[color=green]شكرا ً أخت ميمونة
و شكراً أخي نزار[/color]

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالأربعاء يونيو 23, 2010 12:34 am

]size=24]3 - أخبار المجنون وصاحبته ليلى

قد اختلف في اسمه هل هو عامر أو مهدي أو الأقرع أو معاذاً بن الجعد، والصحيح الأول وفي نسبه عامري أو كلابي أو جعدي أو قشيري أو المجانين متعددة أو هما اثنان في بني عامر أو لم يكن أحد وإنما هو امرؤ تعشق واستكبر عن أن يصرح باسمه واسم محبوبته فموه بالمجنون وليلى والصحيح أنه من بني عامر وهو عامر بن ملوح بن مزاحم يتصل نسبه عند صاحب الأغاني إلى كعب بن ربيعة بن صعصعة كان مديد القامة جعد الشعر أبيض اللون ولم ينله الهزال والجنون وتغير اللون إلا من العشق، وصاحبته هي ليلى بنت مهدي بن سعد تتصل بنسبه في كعب بن ربيعة وكنيتها أم مالك وهذا أخذ من قوله ذلك في شعره كثيراً نحو قوله:

تكاد بلاد اللّه يا أم مالك بما رحبت يوماً عليّ تضيق

وهذا كاستدلالهم بأن اسم أبيه ملوح بن مزاحم وأنه مات قبل اختلاط عقله فعقر عليه ناقة بقوله:

عقرت على قبر الملوّح ناقتي * بذي السرح لما أن جفاه أقاربه
وقلت له كوني عقيراً فإنني * غداة غد ماش وبالأمس راكبه
فلا يبعدنك اللّه يا ابن مزاحم * فكل امرىء للموت لا بد شاربه

وذكر أن سبب عشقه لليلى أنه مر يوماً على ناقة له وعليه حلتان من حلل الملوك بامرأة من قومه وعندها نسوة يتحدثن فأعجبهن به فاستنزلنه للمنادمة فنزل وعقر لهن ناقته وأقام معهن بياض اليوم فأقبل فتى اسمه منازل يسوق غنماً فانصرفن إليه وتركن المجنون فقام مغضباً وأنشد:

أأعقر من جرّا كرائم ناقتي * ووصلي مقرون بوصل منازل
إذا جاء قعقعن الحليّ ولم أكن * إذا جئت اخفوا صوت تلك الخلاخل

فقوله من جرا وكرائم يعني من أجلها وكرائم اسم المرأة التي كن عندها و يقول قد أظهرن صوت الحلي حين جاء منازل وهذه كناية عن قيامهن له دليل فيه على تعلقه بليلى، وإنما الدليل فيما رواه صاحب نزهة المشتاق قال لما دعته النسوة إلى النزول نزل وجعل يحادثهن ويقلب طرفه حتى وقعت عينه على ليلى فلم يصرف عنها طرفاً وشاغلته، فلم يشتغل ثم قال لها هل عندكن ما تأكلن قالت لا، فعمد إلى الناقة فنحرها وقطعها وجاءته لتمسك معه اللحم فجعل يحز بالمدية في كفه وهو شاخص فيها حتى أعرق كفه فجذبتها من يده ولم يدر، ثم قال لها ألا تأكلين الشواء قالت نعم فطرح من اللحم شيأ ً على الغضى وأقبل يحادثها، فقالت له
أنظر إلى اللحم هل استوى أم لا فمد يده إلى الجمر وجعل يقلب بها اللحم فاحترقت ولم يشعر فلما علمت ما داخله صرفته عن ذلك ثم شدت يده بهدب قناعها ثم ذهب وقد تحكم عشقها من قلبه .
وقيل أنها كانت مغرمه بأحاديث الناس والأشعار وكان هو أروى الناس لذلك فكانت تستدعيه لتسمع منه وكان يجيبها إلى ذلك فتداخلت بينهما المحبة وفي نديم المسامرة أنهما انتشئا صغيرين يرعيان الغنم بدليل قوله:

تعلقت ليلى وهي ذات تمائم * ولم يبد للاتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى إلبهم يا ليت أننا * إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

فتحابا وأنها حجبت عنه فداخله جنون وعلى كل الطرق لما عرف كل منهما ما عند الآخر وتمكنت المحبة منهما جعل يأتيها نهاراً قبل الحجب ويذهب ليلاً وفي ذلك يقول:

نهاري نهار الناس حتى إذا بدا * لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى * ويجمعني بالليل والهم جامع

قلت وقد تقدم أن البيتين لقيس بن ذريح وصرح في نزهة العشاق بذلك وقال أن المجنون كان يتمثل بهما وهذا هو الصحيح فإنهما كان متعاصرين حتى نقل في الأغاني أن قيساً مر بالمجنون وهو في بدء مخالطة العقل والانفراد وكان كل منهما يشتهي لقاء صاحبه فسلم عليه فلم يرد فعرفه بنفسه فقام إليه واعتنقه وتباكيا واشتكى كل إلى الآخر ما عنده فقال المجنون لقيس أن حي ليلى قريب فهل لك أن تبلغها سلامي فمضى حتى وقف بها ونسب نفسه فتعارفا وبلغها فأخبرته أن وجدها به أعظم، ولكن قالت أنا عاتبة عليه حيث يقول:

أتت ليلة بالغيل يا أم مالك * لكم خير حب صادق ليس يكذب
إلا إنما أبقيت يا أم مالك * صدى أينما تذهب به الريح يذهب

فأي ليلة كانت ومتى اختليت معه بالغيل أو غيره فقال لها لا تحمليه على ما تقول الناس وانصرف قيس ليخبره فلم يجده وكان المجنون عند أبيه أعظم منزلة من اخوته وكان أبوه ذا ثروة فدفع له خمسين بعيراً وراعيها في مهر ليلى فلم يقبل أبوها و العرب كانت تكره تزويج اثنين انتشرت أخبارهما بالمحبة فخيروها بينه وبين رجل اسمه ورد وهددوها على أن تختار الأخير ففعلت كارهة وفي ذلك يقول المجنون:

ألا يا ليل إن ملكت فينا * خيارك فانظري لمن الخيار
ولا تستبدلي منا دنيا * ولا بر ما إذا حث القتار
يهرول في الصفير إذا رآه * وتعجزه ملمات كبار

وأبصر يوماً في طريقه إلى زيارتها جارية عسراء فتطير وأنشد:

وكيف يرجى وصل ليلى وقد جرى * بجد القوى من ليل أعسر حاسر
صريع العصا جدب الزمان إذا انتحى * لوصل امرىء لم تقض به الأواطر

وشكا ذلك إليها فقالت لا بأس عليك والله لا اجتمعت بغيرك إلا كارهة وكانت قبل هذا القول قد امتحنته لتنظر ما عنده من المحبة لها فدعت شخصاً بحضرته فسايرته أو صرفت وجهها عنه إلى غيره ثم نظرته قد تغير حتى كاد أن يتقطر فأنشدت تقول:

كلانا مظهر للناس بغضاً * وكل عند صاحبه مكين
وأسرار الملاحظ ليس تخفى وقد تغري بذي اللحظ العيون
وكيف يفوت هذا الناس شيء وما في الناس تظهره العيون

فسر بذلك حتى كاد أن يذهب عقله فانصرف وهو يقول:

أظن هواها تاركي بمضلة * من الأرض لا مال لدي ولا أهل
ولا أحد أفضى إليه وصيتي * ولا صاحب إلا المطية والرحل
محا حبها حب الأولى كن قبلها * وحلت مكاناً لم يكن حل من قبل

واستشهد شخصاً عن عروة بن حزام فأخبره بحاله وأنه مات براحة فتعجب من كثرة ذكر الناس له مع حسن حاله في العشق وأنشد:

عجبت لعروة العذري أمسى * أحاديثاً لقوم بعد قوم
وعروة مات موتاً مستريحاً * وها أنذا أموت كل يوم

ولما اشتهر أمرهما في العرب وشاع شعره فيها منعه أهلها الزيارة وكان في حي ليلى امرأة من بني عامر قد تزوجها رجل من حريش ومات عنها وقد ترك لها صبية فكان يأتيها المجنون يتعرف منها أخبار ليلى فبلغ أهلها ذلك فزجروا المرأة وجاء المجنون فأخبرته فأنشد متمثلاً بيت امرىء القيس وضم إليه ثانياً له:

أجارتنا إنا غريبان هنا * وكل غريب للغريب نسيب
فلا تزجريني عنك خيفة كاشح * إذا قال شراً أو أخيف لبيب

ثم تركها وكان يأتي غفلات الحي فلما علموا بذلك شكوه إلى الخليفة مروان فكتب إلى عامله بهدر دمه إذا وجد عند ليلى فقرؤا عليه ذلك فأنشد:

لئن حجبت ليلى وآلى أميرها * عليّ يميناً جاهداً لا أزورها
وأوعدني فيها رجال أبوهم * أبي وأبوها خشنت لي صدورها
على غير شيء غير إني أحبها * وإن فؤادي عند ليلى سميرها

ولما يئس من زيارتها قلق لذلك قلقاً أدى لزوال عقله فهام على وجهه يلعب بالتراب والعظام لا يذكر غير ذكرها وأنها جزعت لذلك جزعاً أدى إلى سقمها فحج بها أهلها فرآها ثقفي فخطبها فأجابوه ونمى إلى المجنون ذلك فأنشد:

ألا أن ليلى العامرية أصبحت * تقطع إلا من ثقيف حبالها
هم حبسوها محبس البدن وأبتغي * بها المال أقوام ألا قل مالها
إذا ما التقت والعيس صفر من الثرى * من العين جلى عبرة العين حالها

و قال :

خليلي هل من حيلة تعلمانها * فيدنى بها تكليم ليلى احتيالها
فإن أنتما لم تعلماها فلستما * بأول باغ حاجة لا ينالها
كان مع الركب الذين اغتدوا بها * غمامة صيف زعزعتها شمالها
نظرت بمفضى سيل حوضين والضـ * حى تحث بأطراف المحارم آلها
بمنهلة الأجفان هيج شوقها * مجامعة الآلاف ثم رآلها
إذا التفت من خلفها وهي تعتلي * على العيس جلى عبرة العين حالها

وحين تحقق عنده تزويجها أنشد:

دعوت إلي دعوة ما جهلتها وربي بما تخفي الصدور خبير
لئن كان يهدي برد أنيابها العلا لا فقر مني إنني لفقير
فقد شاعت الأخبار إن قد تزوجت فهل يأتيني بالطلاق بشير

وجعل يمر ببيتها فلا ينظر إليه فأنشد:

ألا أيها البيت الذي لا أزوره * وإن حله شخص إليّ حبيب
هجرتك اشفاقاً وزرتك خائفاً * وفيك عليّ الدهر منك رقيب
سأستعتب الأيام فيك لعلها * بيوم سرور في الزمان تؤب
وأفردت إفراد الطريد وباعدت * بي النفس حاجات وهن قريب
لئن حال واش دون ليلى لربما * أتى اليأس دون الأمر فهو عصيب
ومنيتني حتى إذا ما رأيتني * على شرف للناظرين يريب
صددت وأشمت العدوّ بصرمنا * أثابك يا ليلى الجزاء مثيب

وحين بلغه نقلها إلى الثقفي قال :

كان القلب ليلة قيل يغدى * بليلى العامرية أو يراح
قطاة غرّها شرك فباتت * تجاذبه وقد علق الجناح
فلا في الليل نالت ما ترجى * ولا في الصبح كان لها براح

اجتمع إلى المجنون عزوة من قومه ممن كان ينادموه حال صحته فعزموا على أن يسافروا به متنزهين في أحياء العرب ليذهب ما به فساروا وهو معهم تعاوده الصحة دوراً والجنون دوراً وهم يردون كل منتزه ويعرضون عليه من بنات العرب كل من أجمع على حسنها وأنهم غفلوا عنه ليلة ثم افتقدوه فرأوه قد ذهب , فركب ابن عم له في طلبه فرآه عنده منحدر ٍ وبين يديه ظبية لا حراك بها وهو يمسح عنها التراب ويقبلها ويبكي :

أيا شبه ليلى لا تخافين إنني لك اليوم من وحشية لصديق

فقال له اذهب بنا فلم يجب فقال اذهب لنمر بليلى فقام معه فلما جاء إلى أصحابه جلس متفكراً لا
يخاطبهم حتى جاء الليل فلما كان السحر هبة نسمة وأبرق برق مما يلي حي ثقيف فأنشد:

طربت وشاقتك الهمول الدوامع * غداة دعا بالبين أسفع نازع
شجاه نعياً بالفراق كأنه * حريب سليب نازح الدار جازع
فقلت الا قد بين الأمر فانصرف * فقد راعنا بالبين قبلك رائع
سقيت سماماً من غراب فإنني * تبينت ما أخبرت أذهو واقع
ألم تر أني لا محب ألومه * ولا ببديل بعدهم أنا قانع
ألم تر دار الحي في رونق الضحى * بحيث انحنت للهضبتين الأجارع
وقد يتناءى الألف من بعد صحبة * ويصدع ما بين الخليلين صادع
وكم من هوى أو جيرة قد ألفتهم * زماناً فلم يمنعهم البين مانع
كأني غداة البيت ميت حوية * آخر ظما سدت عليه المشارع
يخلص من أوصال ماء صبابة * فلا الشرب مبذول ولا هو نافع
وبيض تطلى بالعبير كأنها * نعاج الفلا جيبت عليها البراقع
تحملن من وادي الاراك وأومضت * لهن بأطراف العيون المراتع
فما جئن ربع الدار حتى تشابهت * هجائنها والجون منها الجوامع
وحتى حملن الجور من كل جانب * وخاضت صدور الرقم منها الأكارع
فلما استوت تحت الخدود وقد جرى * عبير ومسك بالعرانين رادع
أشرن بأن حثوا الجمال فقد بدا * من الصيف يوم لاقح الظل مانع
فلما لحقنا بالحمول تباشرت * بنا مقصرات عاب عنها المطالع
يعرضن بالدل المليح وأن يرد * خباهن مشغوف فهن موانع
فقلت لأصحابي ودمعي مسبل * وقد صدع الشمل المشتت صادع
أليلى بأبواب الخدور تعرضت * لعينيّ أم قرن من الشمس طالع

ومرض قبل الاختلاط فقلق قلقاً شديداً ودخل عليه جماعة للعيادة فسمعوه ينتحب بأشد
تحرق وتوجع وينشد:

ألا أيها القلب الذي لج هائماً * بليلى وليداً لم تقطع تمائمه
أفق قد أفاق العاشقون وقد أبى * لما بك أن تلقى طبيباً تلائمه
فما لك مسلوب العزاء كأنما * ترى نأي ليلى مغرماً أنت غارمه
أجدك لا ينسيك ليلى ملمة تلم ولا ينتسيك عهداً تقادمه

فاستتروا حتى أتم نشيده ودخلوا عليه فحادثوه في السلو فزاد في الهيام ولما عوفي جعل يعاود
موضعها ويتمرغ في التراب ويبكي إلى الليل وعزم على التوحش والخروج فراجع ابن عم له في
ذلك فكان يعزم عليه أن لا يفعل ويشاغله إلى أن بلغه أن ليلى دخلت إلى جارة لها فنضت أثوابها
واغتسلت ونظرت إلى نفسه وقالت ويح ابن الملوح لقد علق بي عظيماً على غير استحقاق فأنشدك الله أصادق هو في وصفي أم كاذب فقالت بل صادق ثم خرجت من عندها وعادت لأخذ سواك نسيته فلما صار في يدها قالت سقى الله من أعطانيه فقالت لها جارتها ومن أعطاكيه قالت قيس فخرج هائماً وأنشد:

نبئت ليلى وقد كنا نبخلها * قالت سقى الله منه منزلاً خربا
قالت لجارتها يوماً تسائلها * لما استحمت وألقت عندها السلبا
يا حبذا راكباً كنا نهش له * يهدي لنا من أراك الموسم القضبا
ناشدتك اللّه ألا قلت صادقة * أصادق وصفه المجنون أم كذبا

و يقال أنه وقف أمام سيل ٍ من الماء بعد أن أمطرت السماء يقول :

جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى * وفاضت له من مقلتيّ غروب
وما ذاك إلا حين أيقنت أنه * يكون بواد أنت منه قريب
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى * إليكم تلقى طيبكم فيطيب
فيا ساكني أكناف نخلة كلكم * إلى القلب من أجل الحبيب حبيب
أظل غريب الدار في أرض عامر * إلى كل مهجور هناك غريب
وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى * إليّ وإن لم آته لحبيب
ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر * حبيباً ولم يطرق إليك حبيب

وقيل إن آخر مجلس للمجنون من ليلى أنه لما اختلط عقله ومزق ما عليه وتوحش جاءت أمه إليها
فأخبرتها بذلك وسألتها أن تزوره فعساها أن تخفف ما به فقالت أما نهاراً فمتعذر خيفة أهلي وسآتيه ليلاً فأما أمكنتها الفرصة أتته وهو مطرق يهذي فسلمت عليه ثم قالت له:

أخبرت أنك من أجلي جننت وقد فارقت أهلك لم تعقل ولم تفق

فرفع رأسه إليها وأنشد:

قالت جننت على رأسي فقلت لها * الحب أعظم مما بالمجانين ِ
الحب ليس يفيق الدهر صاحبه * وإنما يصرع الانسان في الحين ِ
لو تعلمين إذا ما غبت ما سقمي * وكيف تسهر عيني لم تلوميني

و بعد أن فارقته هام من مع الوحش وقيل سئل عن سبب خروجه فقال لقيتها يوماً فشكيت إليها ما نزل بي من حبها وقلت إن لم ترحميني ذهب عقلي فقالت هو المطلوب فهمت لمرادها وقيل كان هيمانه مقاصة لقوله:
قضاها لغيري وابتلاني بحبها فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا

و يقال أن أحدهم مر بخيمة من خيام العرب يتلظى بها من حر القيظ و يرتوي , فسألته امرأة من الداخل عن نسبه فقال من بني الجريش فرفعت الستار و إذ بامرأة كأنها البدر فقالت أتعرف رجل فيهم اسمه بقيس فقال نعم عرفته مجنونا ً يسير بين الوحوش و لا يعقل حتى يذكر له ليلى فأغشي عليها و ووقعت على الأرض و لما استفاقت أنشدت :

ألا ليت شعري والخطوب كثيرة متى رجل قيس مستقل فراجع
بنفسي من لا يستقل برحله ومن هو إن لم يحفظ اللّه ضائع
ولما يأس من ليلى حين ارتحلت مع زوجها واشتد هيمانه أجمع قومه أن يتقدموا إلى أبيه في حمله
إلى مكة فعلّ الله أن يخفف عنه، ففعل وسار معه ابن عمه زياد بن كعب فمروا بحمامة على دوحة تنوح فوقف المجنون صاغياً لها ويخلف معه ابن عمه فقال له سر بنا فقد أبعد الرفاق فتنفس الصعداء وأنشد:

أأن هتفت يوماً بواد حمامة * بكيت ولم يعذرك بالجهل عاذر
دعت ساق حر بعدما غلت الضحى * فهاج لك الأحزان إن ناح طائر
تغنى الضحى والصبح في مر حجنة * كثاف الأعالي تحتها الماء حائر
كان لم يكن بالغيل أو بطن ايكة * أو الجزع من قول الاشاءة حاضر
يقول زياد إذ رأى الحي هجروا * أرى الحي قد ساروا فهل أنت سائر
وإني وإن غال التقدم حاجتي * ملم على أوطان ليلى فناظر

ودخل مكة فنظر إلى الناس وهم يدعون ربهم محرمين فأنشد:

دعا المحرمون اللّه يستغفرونه * بمكة وهنا إن تمحى ذنوبها
وناديت أن يا رب أول سؤلتي * لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
فإن أعط ليلى في حياتي لا يتب * إلى اللّه خلق توبة لا أتوبها

فزجره أبوه عن ذلك وأمره أن يدعو الله أن ينسيه ذكرها وأخذه حتى أمسكه أستار الكعبة ثم قال له قل اللهم انسني ذكرها وامح من قلبي حبها فقال اللهم اجمعني بها وارزقني حبها وزدني بها كلفأ وفيها تلفاً وأنشد مكملاً للأبيات السابقة:

يقر لعيني قربها ويزيدني * بها عجباً من كان عندي يعيبها
فكم قائل قد قال تب فعصيته * وتلك لعمري توبة لا أتوبها
فيا نفس صبر الست واللّه فاعلمي * بأول نفس غاب عنها حبيبها

ولما اجتمع الناس بمنى سمع هاتفاً يهتف بليلى فخر مغشياً عليه إلى الصباح ثم أفاق متغيراً حائل
اللون وأنشد:

عرضت على نفسي العزاء فقيل لي * من الآن فايأس لا أعزك من صبر
إذا بان من تهوى وأصبح تائباً * فلا شيء أجدى من حلولك في القبر
وداع دعا إذ نحن بالخيف من مني * فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما * أطار بليلى طائراً كان في صدري
دعا باسم ليلى ضلل اللّه سعيه * وليلى بأرض عنه نازحة قفر

ثم انساب منهم وكانت هذه سياحته الكاملة فجعل يقتات بعشب البر حتى طالت أظفاره وغطاه شعره فألفته الوحوش فكان يرد الماء معها ثم يهيم على وجهه حتى يقع بالشام فيرى أقواماً وأرضاً ينكرها فيقول أين جبل توباد من بني عامر وهو جبل. كان يرعى هو وليلى عنده الغنم فيقولون له أين أنت من توباد ويعرضون عليه الثياب والطعام فيأبى ويقول دلوني عليه فيرحمونه ويقولون له اتبع نجم كذا يوصلك إليه فيمضي حتى يقع باليمن فيكون له مثل ذلك إلى أن يظفر أحياناً بالجبل فينشد حين ينظره:

وأجهشت للتوباد حين رأيته * وكبر للرحمن حين رآني
وأذريت دمع العين لما عرفته * ونادى بأعلى صوته فدعاني
فقلت له قد كان حولك جيرة * وعهدي بذاك الصرم منذ زمان
وقلت له أين الذين عهدتهم * بقربك في حفظ وطيب أمان
فقال مضوا واستودعوني ديارهم * ومن ذا الذي يبقى على الحدثان
وإني لابكي اليوم من حذري * غداً فراقك والحيان مؤتلفان
سجالاً وتهتاناً ووبلاً وديمة * وسحاً وتسجالاً وتنهملان

وعن فتى من قيس أو هو رباح بن مالك قال لما أخذ المجنون إلى مكة للاستشفاء كما مر مررت
يوماً وإذا أنا بجماعة قد تعلقوا بشخص متغير اللون ناحل البدن وقد هم أن يلقي نفسه من جبل فسألت عنه فإذا هو المجنون خرج ليتنسم صبا نجد فقلت علام تحبسونه قالوا نخاف أن يجني على نفسه ولو تقدمت إليه فأخبرته أنك من نجد أسكنت روعه ففعلت فجعل يسألني عن موضع موضع ويبكي أحر بكاء ثم أنشد:

ألا حبذا نجد وطيب ترابها * وأرواحها إن كان نجد على العهد
ألا ليت عشري عن عو يرضي قبا * لطول الليالي قد تغيرتا بعدي
وعن جارتينا بالنخيل إلى الحمى * على عهدنا أم لم يدوما على العهد
وعن علويات الرياح إذا جرت * بريح الخزامى هل تهب على نجد
وعن أقحوان الرمل ما هو صانع * إذا هو أثري ليلة بثرى جعد
وهل أسمعن الدهر أصوات هجمة * تطالع من وهد خصيب إلى وهد
وهل انغضن الدهر أفنان لمتي * على لاحق المتنين منذ لد الوخد

ومر يوماً على جبلي نعمان وهو موضع من نجد به جبلان ليسا بالعظيمين بينهما فاصل يسير فقال لرفقة معه هذا مكان يقرب من منزل كانت تنزل به ليلى قال فأي الرياح تهب منه قالوا الصبا فحلف لا يبرح من مكانه حتى تهب فمضوا وتركوه ثم عادوا بعد ثلاث فأقاموا معه حتى هبت فأنشد:

أيا جبلي نعمان باللّه خليا * سبيل الصبا يخلص إليّ نسيمها
أجد بردها أو تشف مني حرارة * على كبد لم يبق إلا صميمها
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت * على نفس مهموم تجلت همومها

واجتمع إليه النساء يوماً فقلن له أما آن لك أن تصرف عنك هوى ليلى ليرد إليك عقلك فإنها امرأة
من النساء وفينا عنها كفاية فاختر إحدانا فقال لو ملكت لفعلت ولكني مغلوب فقلن ما أعجبك منها قال كل شيء رأيته وسمعته فقلن صفها فأنشد:

بيضاء خالصة البياض كأنها * قمر توسط جنح ليل مبرد
موسومة بالحسن ذات حواسد * إن الجمال مظنة للحسد
وترى مدامعها ترقرق مقلة * سوداء تعرب عن سواد الاثمد
خو إذا ذكر الكرام رأيتها * تحمي الحمى وإذا تكلم تقصد

وقال له رجل من قومه إني قاصد حي ليلى فهل عندك شيء تقوله لها، قال نعم أنشدها إذا وقفت
بحيث تسمعك هذه الأبيات:

اللهّ يعلم أن النفس قد هلكت * باليأس منك ولكني أمنيها
منيتك النفس حتى قد أضربها * وأبصرت خلفاً مما أمنيها
وساعة منك ألهوها ولو قصرت * أشهى إلي من الدنيا وما فيها

قال الرجل فمضيت حتى وقفت بخيامها فلما أمكنتني الفرصة أنشدت بحيث تسمع الأبيات فبكت
حتى غشى عليها ثم قالت أبلغه عني السلام وأنشده:

نفسي فداؤك لو نفسي ملكت إذا * ما كان غيرك يجزيها ويرضيها
صبراً على ما قاضه اللّه فيك على * مرارة في اصطباري عنك أخفيها

قال الرجل فلما بلغته ذلك بكى حتى غشي عليه ثم أفاق وهو يقول عجبت لعروة العذري البيتين
السابقين في صدر القصة ولما أيس أهله منه وخالط الوحوش أخذوا يحتالون على إصلاحه فقال أبوه يوماً لشخص أريد أن تمر به فتذكر له ليلى وأنك من عندها وأنها تذكره كثيراً فإذا أعطاك سمعه وتمكنت منه فاذكر له أنها تشتمه وتنقصه فعساه أن يداخلة كرهها. قال الرجل فمضيت حتى اجتمعت به وأعلمته بذلك حتى ذكرت أنها تشتمه فأنشد:

تمر الصبا ضفحا بساكن ذي الغضى * ويصدع قلبي أن يهب هبوبها
إذا هبت الريح الشمال فإنها * جوابي بما يهدي إليّ جنوبها
قريبة عهد بالحبيب وإنما * هوى كل نفسي حيت كان حبيبها
وحسب الليالي إن طرحنك مطرحاً * بدار قلى تمسي وأنت غريبها
حلال لليلى شتمنا وانتقاصنا * هنيئاً ومغفور لليلى ذنوبها

وقيل للمجنون يوماً أتحب ليلى قال نعم حباً خالط الدم ومازج الأعضاء قيل فما يغني حبك لها وهي مريضة وأنت لا تعودها فتنفس الصعداء وأنشد:

يقولون ليلى بالصفاح مريضة * فماذا إذا يغني وأنت صديق
شفى اللّه مرضي بالصفاح فإنني * على كل شاك بالصفاح شفيق

و يقال أن هناك رجل اسمه محمد بن نوفل أغرم بشعر المجنون فلم يستطع الاجتماع إليه و لو للحظة واحدة فاستشار فقيل له أن ينضج له خبزا ً يستشمه ففعل ذلك و صعد شجرة كانت عند الماء التي ترد إليها الظباء حيث كن يرقبها يوميا ً و عند مجيئه الماء مع الظباء فتح مزودة الخبز الناضج حديثا ً و أنشد قوله :

أتبكي على ليلى ونفسك باعدت * مزارك من ليلى وشعباً كما معا

فاندفع المجنون ينشد و يقول:

فما حسن أن يأتي الأمر طائعاً * وتجزع أن داعي الصبابة أجزعا
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها * على الجهل بعد الحلم اسبلتا معا
واذكر أيام الحمى ثم أنثني * على كبدي من خشية أن يصدعا
فليست عشيات الحمى برواجع * إليك ولكن خل عينيك تدمعا
معي كل عز قد عصى عاذلاته * بوصل الغواني من لدن أن ترعرعا
إذا راح يمشي في الرداءين أسرعت * إليه العيون الناظرات التطلعا

ثم سقط مغشياً عليه فقال له :

يا دار ليلى بسقط الحي قد درست * إلا الثمام وإلا موقد النار
أبلى عظامك بعد اللحم ذكركها * كما ينحت قدح الشوحط الباري
ما تفتئوا الدهر من ليلى تموت كذا * في موقف وقفته أو على داري

فرفع رأسه وقال من أنت حياك الله فقال له محمد بن نوفل فرحل قطيع الظباء و رحل المجنون معه فأعد الكرة مرة أخرى فقال له رحم الله قيساً حيث يقول:

نبيت ونضحي كل يوم وليلة * على منهج تبكي عليه القبائل
قتيل للبنى صدع الحب قلبه * وفي الحب شغل للمحبين شاغل

فقال المجنون أنا والله أشعر منه حيث أقول:

سلبت عظامي لحمها فتركتها * معرّقة تضحى إليه وتضجر
وأخليتها من منحها وكأنها * قوارير في أجوافها الريح تصفر
إذا سمعت ذكر الفراق تقطعت * علائقها مما تخاف وتحذر
خذي بيدي ثم انهضي بي تبيني * بي الضر إلا أنني أتستر

ثم انساب يعدو وفارقه فلما كان اليوم الثاني جاء على العادة وأنشد قول قيس :

تبادر أم تروح غداً رداحاً * ولن يستطيع مرتهن براحا
سقيم لا يصاب له دواء * أصاب الحب مقلته فباحا
وعذبه الهوى حتى براه * كما القيت بالسفن القداحا
فكاد يذيقه جرع المنايا * ولو أسقاه ذلك لاستراحا

فقال أنا أشعر منه حيث أقول :

فما وجد مغلوب بصنعاء موثق * لساقيه من ثقل الحديد كبول
قليل الموالي مستهام مروّع * له بعد نومات العشاء عويل
يقول له الحداد أنت معذب * غداة غداً ومسلم فقتيل
بأعظم مني روعة يوم راعني * فراق حبيب ما إليه سبيل

ثم فعل فعلته بالأمس وعاوده فقال أحسن والله قيس حيث يقول:

ألا يا غراب البين ويحك أنبني * بعلمك في لبنى وأنت خبير
فإن أنت لم تخبر بشيء علمته * فلا طرت إلا والجناح كسير
ودرت بأعداء حبيبك بينهم * كما قد تراني بالحبيب أدور

وقيل أن ليلى توفيت قبله وأنه سمع هاتفاً يقول.

أمنعية بالموت ليلى ولم تمت * كأنك عمد أظلك غافل

فسقط ميتاً وهذا أمر يتعذر الوصول إلى تحقيقه وله أشعار كثيرة بلا أسباب من محاسنها قوله:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى * فصادف قلباً فارغاً فتمكنا

ومنها:

تقول العدا لا بارك اللّه في العدا * تقاصر عن ليلى ورثت رسائله
ولو أصبحت ليلى تدب على العصا * لكان هوى ليلى جديداً أوائله

ومنها:

فلو تلتقي في الموت روحي وروحها * ومن بين رمسينا من الأرض منكب
لظل صدى رمسي وإن كنت رمه * لصوت صدى ليلى يهش ويطرب

ومنها:

فلو زرت بيت اللّه ثم رأيتها * بأبوابه حيت استجار حماها
لمست ثيابي إن قدرت ثيابها * ولم ينهني عن مسهن حمامها
ولو شهدتني حين تأتي منيتي * جلا سكرات الموت عني ابتسامها

ومنها:

أقول لألف ذات يوم لقيته * بمكة والانضاء ملقى رحالها
بربك أخبرني ألم تأثم التي * أضر بجسمي من زمان خيالها
فقال بلى واللّه سوف يمسها * عذاب وبلوى في الحياة تنالها
فقلت ولم أملك سوابق عبرة * سريع إلى جيب القميص انهمالها
عفا اللّه عنها ذنبها واقالها * وإن كان في الدنيا قليلاً نوالها

ومنها:

وأحبس عنك النفس والنفس صبة * بذكراك والممشى إليك قريب
مخافة أن يسعى الوشاة بظنة * وأحرسكم أن يستريب مريب
جعلت نفسي وأنت اخترمتها * وكنت أعز الناس عنك تطيب
فلو شئت لم أغضب عليك ولم يزل * لك الدهر مني ما حييت نصيب
أما والذي يبلوا السرائر كلها * ويعلم ما تبدي به وتغيب
لقد كنت ممن تصطفى النفس خلة * لها دون خلان الصفاء حجوب

ومنها.

ألا ليت ليلى اطفأت حر زفرة * أعالجها لا أستطيع لها ردا
إذا الريح من نحو الحمى نسمت لنا * وجدت لمسراها ومنسمها بردا
على كبد قد كاد يبدي بها الهوى * ندوباً وبعض القوم يحسبني جلدا
وإني يماني الهوى منجد النوى * سبيلان القي من خلافهما جهدا
سقى اللّه نجداً من ربيع وصيف * وما ترجى من ربيع سقى نجدا
بلى أنه قد كان للعيش مدة * وللعيس والركبان منزلة حمدا
أبى القلب أن ينفك من ذكر نسوة * رقائق لم يخلقن شوها ولا نكدا
إذا رحن بسحبن الذيول عشية * ويقتلن بالألحاظ أنفسنا عمدا
مشا عيطلات رجح بحضورها * روادف وعثات ترد الخطا ردا
وتهتز ليلى العامرية إذ مشت * ولاثت بثوب القز ذا غدر جعدا
إذا حرك المدى ضفائرها العلا * مزجن بذي الريحان والعنبر الوردا

ومنها وقد ضعف فعاده الناس ولم تعده ليلى فأنشد :

ألا ما لليلى لا ترى عند مضجعي * بليل ولا يجري بذلك طائر
بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت * بليلى ولكن ليس للطير زاجر
أزالت عن العهد الذي كان بيننا * بذي الأيك أم قد غيرتها المقادر
فواللّه ما في القرب لي منك راحة * ولا البعد يسليني ولا أنا صابر
وواللّه ما أدرى بأية حيلة * وأي مرام أو خطار أخاطر
وتاللّه إن الدهر في ذات بيننا * عليّ له في كل حال لجائر
فلو كنت إذ أزمعت هجري تركت * جميع القوى والعقل مني وافر
ولكن أيامي بحقل عنيزة * وبالردم أيام حباها التجاور
وقد أصبح الود الذي كان بيننا * أمانيّ نفس والمؤمل حائر
لعمري لقد كدرت يا أم مالك * حياتي وساقتني إليك المقادر

ومنها:

فوا كبدي من حب من لا يحبني * ومن زفرات ما لهن فناء
أريتك إن لم أعطك الحب عن يد * ولم يك عندي إذ أبيت اباء
أتاركتي للموت أنت فميت * وما للنفوس الخائفات لقاء

ومنها:

وجاءوا إليه بالتعاويذ والرقي * وصبوا عليه الماء من ألم النكس
وقالو به من أعين الجن نظرة * ولو عقلوا قالوا به نظرة الأنس

ومنها:

وشغلت عن فهم الحديث سوى * ما كان فيك فأنتم شغلي
وأرى جليسي إذ يحدثني * إن قد فهمت وعندكم عقلي

ومنها:

سرت في سواد القلب حتى إذا انتهى * بها السير وارتادت حمى القلب حلت
فللعين تهمال إذا القلب ملها * وللقلب وسواس إذا العين ملت
وواللّه ما في القلب شيء من الهوى * لأخرى سواها أكثرت أم قلت

ومنها:

ذكرت عشية الصدفين ليلى وكل الدهر ذكراها جديد
عليّ ألية إن كنت أدرى * أينقص حب ليلى أم يزيد

ومنها:

يا ويح من أمسى تخلس عقله * فأصبح مذهوباً به كل مذهب
خلياً من الخلان إلا معذراً * يضاحكني من كان يهوى تجنبي
إذا ذكرت ليلى عقلت وأرجعت * روائع عقلي من هوى متشعب
وقالوا صحيح ما به طيف جنة * رلا الهم إلا بافتراء التكذب
تجنبت ليلى إذ يلح بك الهوى * وهيهات كان الحب قبل التجنب
ألا إنما غادرت يا أم مالك * صدى أينما يذهب به الريح يذهب
ولم أر ليلى بعد موقف ساعة * بخيف منى ترمي جمار المحصب
وتبدي الحصا منها إذا قذفت بها * من البرد أطراف البنان المخضب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر * مع الصبح في أعقاب نجم مغرّب

ومنها:

وإني لمجنون بليلى موكل * ولست عزوفاً عن هواها ولا جلدا
إذا ذكرت ليلى بكيت صبابة * لتذكارها حتى يبل البكا الخدّا

ومنها:

ألا يا حمام الأيك مالك باكياً * أفارقت الفاً أم جفاك حبيب
دعاك الهوى والشوق لم ترنمت * هتوف الضحى بين الغصون طروب
تجاوب ورقاً قد أذن لصوتها * فكل لكل مسعد ومجيب

ومنها:

لقد غردت في جنح ليل حمامة * على إلفها تبكي وإني لنائم
كذبت وبيت اللّه لو كنت عاشقاً * لما سبقتني بالبكاء الحمائم

ومنها:

إذا قربت داري كلفت وإن نأت * أسفت فلا بالقرب أسلو ولا البعد
وإن وعدت زاد الهوى لانتظارها * وإن بخلت بالوعد مت على الوعد
ففي كل حب لا محالة فرحة * وحبك ما فيه سوى محكم الجهد

و لما حضروا به في مكة بات ليلة فجعل يحدث نفسه كالذي في النوم ويعاتب امرأة حاضرة فقيل له في ذلك فحلف أن ليلى كانت إلى جانبه في هذا الوقت ثم أنشد:

طرقتك بين مسبح ومكبر * بحطيم مكة حيث كان الأبطح
فحسبت مكة والمشاعر كلها * وجبالها باتت بمسك تنفح

ومنها:

لئن نزحت دار بليلى لربما * عنينا بخير الزمان جميع
وفي النفس من شوقي إليك حرارة * وفي القلب من وجدي عليك صدوع
وأما قصيدته الموسومة بالمؤنسة فهي أطول قصيدة أنشدها وواظب عليها قيل أنه كان يحفظها دون أشعاره وأنه كان لا يخلو بنفسه إلا وينشدها وهي من محاسن الأشعار وأرقها لفظاً وأعذبها سبكاً وألطفها شجواً وأبلغها نسيباً وغزلاً تهيج الشجون وتعين المحزون والاستصفاء و منها :

تذكرت ليلى والسنين الخواليا * وأيام لا أعدى على الدهر عاديا
ويوم كظل الرمح قصرت ظله * بليلى فلهاني وما كنت لاهيا
فيا ليل كم من حاجة لي مهمة * إذا جئتكم بالليل لم أدر ماهيا
خليليّ ألا تبكي لي التمس خليلاً إذا أنزفت دمعي بكى ليا
فما أشرف الايفاع إلا صبابة * ولا أنشد الأشعار إلا تداويا
وقد يجمع اللّه الشتيتين بعدما * يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
لحي اللّه أقوا ما ً يقولون إننا * وجدنا طوال الدهر للحب شافيا
وعهدي بليل وهي ذات مؤصد * ترد علينا بالعشي المواشيا
فشب بنو ليلى وشب بنو ابنها * واعلاق ليلى في فؤادي كما هيا
إذا ما جلسنا مجلساً نستلذه * تواشوا بنا حتى أمل مكانيا
سقى اللّه جارات لليلى تباعدت * بهن النوى حيث احتللن المطاليا
بتمرين لاحت نار ليلى وصحبتي * بقرع العصا ترجى المطى الحوافيا
فقال بصير القوم لمحة كوكب * بدا في سوادا لليل من ذي يمانيا
فقلت لهم بل نار ليلى توقدت * بعليا تسامى ضوءها فبدا ليا
خليلي لا واللّه لا أملك الذي * قصى اللّه في ليلى ولا ما قضى ليا
قضاها لغيري وابتلاني بحبها * فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا
وخبرتماني أن تيماء منزل * لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت * فما للنوى ترمي بليلى المراميا
فلو أن واش باليمامة داره * وداري بأعلى حضرموت أتى نيا
وماذا لهم لا أحسن اللّه حالهم * من الحظ في تصريم ليلى حباليا
وقد كنت أعلو حب ليلى فلم يزل * بي النقض والابرام حتى علانيا
فيا رب سوّ الحب بيني وبينها * يكون كفافاً لا عليّ ولا ليا
فما طلع النجم الذي يهتدى به * ولا الصبح الاهيجا ذكرها ليا
ولا سرت ميلاً من دمشق ولا بدا * سهيل لأهل الشام إلا بدا ليا
ولا سميت عندي لها من سمية * من الناس الا بلّ دمعي ردائيا
ولا هبت الريح الجنوب لأرضها * من الليل إلا بت للريح جانيا
فإن تمنعوا ليلى وتحموا بلادها * عليّ فلن تحموا عليّ القوافيا
فاشهد عند اللّه إني أحبها * فهذا لها عندي فما عندها ليا
قضى اللّه بالمعروف منها لغيرنا * وبالشوق مني والغرام قضى ليا
وإن الذي أملت يا أم مالك * أشاب فؤادي واستهان فؤاديا
أعد الليالي ليلة بعد ليلة * وقد عشت دهراً لا أعد اللياليا
واخرج من بين البيوت لعلني * أحدث عنك النفس بالليل خاليا
أراني إذا صليت يممت نحوها * بوجهي وإن كان المصلي ورائيا
وما بي اشراك ولكن حبها * وعظم الحوى أعيى الطبيب المداويا
أحب من الأسماء ما وفق اسمها * وأشبهه أو كان منه مدانيا
خليليّ ليلى أكبر الحاج والمنى * فمن لي بليلى أو فمن لها بيا
لعمري لقد أبكيتني يا حمامة العقيق * وأبكيت العيون البواكيا
خليليّ ما أرجو من العيش بعدما * أرى حاجتي تشرى ولا تشترى ليا
وتجرم ليلى ثم تزعم أنني * سلوت ولا يخفى على الناس ما بيا
فلم أر مثلينا خليلي صبابة * أشد على الرغم الأعادي تصافيا
خليلان لا نرجو اللقاء ولا ترى * خليلين إلا يرجوان تلاقيا
وإني لاستحييك أن تعرض المنى * توصلك أو أن تعرضي في المنى ليا
يقول أناس على مجنون عامر * يروم سلوا قلت أنى لما بيا
إذا ما استطال الدهر يا أم مالك * فشأن المنايا القاضيات وشأنيا
إذا اكتحلت عيني بعيني لم تزل * بخير وجلت غمرة عن فؤاديا
فأنت التي إن شئت شقيت عيشتي * وأنت التي إن شئت أنعمت باليا
وأنت التي ما من صديق ولا عدى * يرى نضو ما أبقيت الارثي ليا
أمضروبة ليلى عليّ أزروها * ومتخذ دين لها أن ترانيا
إذا سرت في الأرض الفضاء رأيتني * أصانع رحلي أن يميل حياليا
يميناً إذا كانت يميناً وإن تكن * شمالاً ينازعني الهوى عن شماليا
وإني لاستغشى وما بي نعسة * لعل خيالاً منك يلقي خياليا
هي السحر إلا أن السحر رقية * وإني لا ألقي لها الدهر راقيا
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا * كفى المطايانا بذكراك هاديا
ذكت نار شوقي في فؤادي فأصبحت * لها وهج مستضرم في فؤاديا
ألا أيها الركب اليمانون عرّجوا * علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
أسائلكم هل سال نعمان بعدنا * وحب إلينا بطن نعمان واديا
ألا يا حمامي بطن نعمان هجتما * عليّ الهوى لما تغنيتما ليا
وأبكيتماني وسط صحبي ولم أكن * أبالي دموع العين لو كنت خاليا
ويا أيها القمريتان تجاذبا * بلحنيكما ثم اسجعا علانيا
فإن أنتما استطربتما أو أردتما * لحاقاً بأطلال الغضى فاتبعانيا
ألا ليت شعري ما للعلى وما ليا * وما للضبا من بعد شيب علانيا
ألا أيها الواشي بليلى ألا ترى * إلى من تشها أو لمن أنت واشيا
لئن ظعن الأحباب يا أم مالك * فما ظعن الحب الذي في فؤاديا
فيا رب إذ صيرت ليلى هي المنى * فزنى بعينيها كما زنتها ليا
وإلا فغضا إلي وأهلها * فإني بليلى قد لقيت الدواهيا
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه * وإن كنت من ليلى على اليأس طاويا
خليليّ إن ضنوا بليلى فقرّبا * إلى النعش والأكفان واستغفرا ليا[/size]


::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالجمعة يونيو 25, 2010 1:37 am

4 - أخبار كثير عزة


هو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الشهير بأبي جمعة يصل نسبه إلى ماء السماء بن حارثة بن ثعلبة المشهور أحد أولاد الأزد ومن أجداده عمرو بن ربيعة الذي دعا العرب عن دين إبراهيم إلى عبادة الأصنام واقترح السوائب والبحيرة فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج يجر قصبه في النار وهو من خزاعة سموا بذلك لانقطاعهم عن الأزد أيام سيل العرم وجاؤا إلى الشام وهو صاحب عزة بنت جميل ابن حفص بن اياس بن عبد العزى يتصل
نسبها إلى عبد مناف علقها جارية و قد كعبت نهودها بدليل قوله:

نظرت إليها نظرة وهي عاتق * على حين إن شبت وبان نهودها
نظرت إليها نظرة ما يسرني * بها حمر انعام البلاد وسودها

وكان سبب دخول الهوى بينهما أن كثيراً مر بغنم له ترد الماء على نسوة من ضمرة بوادي الخبت فأرسلن له عزة بدريهمات تشتري بها كبشاً لهن منه فنظرها نظرة متأمل فداخله منها ما كان، فرد الدراهم وأعطاها الكبش، وقال إن رجعت أخذت حقي. فلما عاد سألته النسوة ذلك فقال لا أقتضي إلا من عزة فقلن له ليس فيها كفاءة فاختر إحدانا، فأبى وأنشد البيتين، فجعلن يبرزنها له كارهة ثم داخلها ما داخله وأنه خرج يوماً ومعه اداوة ماء فجفت من الحر ورفعت له نار فأمها وإذا بعجوز فناشدته من
الرجل فقال صاحب عزه فقالت له أنت القائل:

إذا ما أتينا خلة كي تزيلنا * أبين وقلن الحاجبية أول
سنوليك عرفاً إن أردت وصالنا * ونحن لتلك الحاجبية أوصل

هلا قلت كما قال جميل

يا رب عارضة علينا وصلها * بالجد تخلطه بقول الهازل
فأجبتها بالقول بعد تأمل * حبي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في قلبي كقدر قلامة * فضلاً لغيرك ما أتتك رسائلي

والله لا أسقينك شيئاً فتركها وانصرف ولما اشتدت حالته أنشد:

يزهدني في حب مية معشر * قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى * فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب
وما تبصر العينان في موضع الهوى * ولا تسمع الآذان إلا من القلب

ودخل كثير على عبد الملك ابن مروان فقال له وقد كان يتهمه بالتشيع بحق علي هل رأيت أعشق منك، فقال لو أقسمت علي بحقك لأخبرتك فقال بحقي إلا ما أخبرتني فقال يا أمير المؤمنين خرجت يوماً وإذا أنا بصياد قد نصب شبكته ليصطاد ما يسد به رمقه فقلت له إن ساعدتك شاركتني فيما يكون قال نعم فجاءت ظبية فوقعت في الأحبولة فسبقته إليها فحللتها ثم مسحت
وجهها وقبلتها وأطلقتها وأنشدت :
أيا شبه ليلى لا تراعى فإنني * لك اليوم من وحشية لصديق
أقول وقد أطلقتها من وثائقها * فأنت لليلى ما حييت طليق
فعينك عيناها وجيدك جيدها * ولكن عظم الساق منك دقيق

ودخلت عزة على أم البنين بنت عبد العزيز فقالت لها ما الحق الذي ماطلتي كثيراً به إذ قال:

قضى كل ذي حق فوفى حقوقه * وعزة ممطول معنى غريمها

فقالت وعدته قبلة فقالت أم البنين نجزيها وعلي إثمها

ودخلت عزة على عبد الملك فقال لها أتروين قول كثير:

لقد زعمت أني تغيرت بعدها * ومن ذا الذي يا عز لا يتغير
تغير جسمي والخليقة كالتي * عهدت ولم يخبر بسرك مخبر

فقالت لا أدري هذا ولكن أروي قوله:

كأني أنادي صخرة حين أعرضت * من الصم لو يمشي بها العصم زلت
صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلة * فمن سلّ منها ذلك الوصل ملت

و هذه قصيدة طويلة منها :

خليليّ هذار بع عزة فاعقلا قلوصيكما ثم أبكيا حيث حلت
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ولا موجعات الحزن حتى تولت
فقد حلفت جهداً بما نحرت له قريش غداة المازمين وصلت
أناديك ما حج الحجيج وكبرت بفيفاً غزال رفقة وأهلت
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها كنا ذرة نذراً فأوفت وحلت
فقلت لها يا عز كل مصيبة إذا وطنت يوماً لها النفس ذلت
ولم يلق انسان من الحب ميتة تغم ولا غماء إلا تجلت
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها وحلت تلاعاً لم تكن قبل حلت
فليت قلوصي عند عزة قيدت بحبل ضعيف حزمنها فضلت
وغودر في الحي المقيمين رحلها وكان لها باغ سواي فدلت
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت
وكنت كذات الظلع لما تحاملت على ظلعها بعد العشار استقلت
أريد التواء عندها وأظنها إذا ما أطلنا عندها المكث ملت
فما أنصفت أما النساء فبغضت إلي وأما بالنوال فضنت
يكلفها الخنزير شتمي وما بها هواني ولكن للمليك استذلت
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت

وللبيتين اللذين بعده حكاية هي أن كثيراً سافر مع جماعة إلى مكة فاتفق أن خرجت عزة وزوجها في ذلك العير، فلما كان في أثناء الطريق مرت بجمل له فسلمت على الجمال فبلغ كثيراً ذلك فجاء إلى الجمل فحله وأطلقه من الحمل وأنشد:

حيتك عزة بعد الهجر وانصرفت فحي ويحك من حياك يا جمل
ليت التحية كانت لي فأرددها مكان يا جمل حييت يا رجل

يقال أن زوجها أمرها ذات ليلة أن تستعطي سمناً فلقيها كثير فأخبرته بحاجتها فأخرج أدواة سمن وجعل يسكب في إناء عزة وهما يتحادثان فلم يشعرا حتى غرقت أرجلهما، فلما رجعت أنكر زوجها كثرة السمن وأقسم عليها فأخبرته فحلف ليضربنها أو لتخرجن فتشتم كثيراً بحيث يسمعها ففعلت فأنشد يكلفها الخنزير البيتين وفي منازل الأحباب أنها وقفت عليه وهو يبري سهاماً ما فجعل يبري ساعده فدخلت عليه فمسحت الدم بثوبها وأن زوجها لم ينكر إلا وجود الدم، وقيل له أنت أشعر أم جميل فقال كيف يكون أشعر مني وهو القائل:

رمى اللّه في عيني بثينة بالقذى وفي الغر من أنيابها بالقوادح

وأنا القائل هنيئاً مريئاً البيت وليس فيما ذكر دليل على أنه أشعر منه وإنما يدل ذلك على أن كثيراً
أرق قلباً وأشفق على محبوبته وأشد عشقاً فلو سبق الكلام لذلك فكان الصق بالمعنى وأولى وتمام
القصيدة:
وواللّه ما قاربت إلا تباعدت بصرم ولا أكثرت إلا أقلت
فإن تكن العتبى فأهلاً ومرحباً وحققت لها العتبى لدينا وقلت
وإن تكن الأخرى فإن وراءنا مناويح لو سارت بها العيس كلت
فلا يبعدن وصل لعزة أصبحت بعافية أسبابه قد تولت
خليليّ إن الحاجبية طلحت قلوصيكما إذ ناقتي قد أكلت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن نقلت
ولكن انبلي واذكري من مودة بناخلة كانت لديك فضلت
وإني وإن صدت لمثن وصادق عليها بما كانت علينا أدلت
فما أنا بالداعي لعزة بالجوى ولا شامتاً إن نعل عزة زلت
فلا يحسب الواشون أن صبابتي بعزة كانت غمرة فتجلت
وأصبحت قد أبليت من دنف بها ولا بعدها من خلة حيث خلت
وما مر من يوم عليّ كيومها وإن عظمت أيام أخرى وجلت
وأضحت بأعلى شاهق من فؤاده فلا القلب يسلاها ولا العين ملت
فيا عجباً للقلب كيف اعترافه وللنفس إذ وطنتها كيف زلت
وإني وتهيامي بعزة بعد ما تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجى ظل الغمامة كلما تبوأ منها للمقيم اضمحلت
كأني وإياها سحابة ممحل رجاها فما جاوزته استهلت

وخرج يوماً من عند عبد الملك فاعترضته عجوز معها نار في روثة فقالت من أنت قال صاحب
عزة فقالت أنت القائل:

وما روضة بالحزن طيبة الثرى يمج الندى جثجاثها وعرارها
يا طيب من أردان عزة موهناً إذا أرقدت بالمندل الرطب نارها
قال نعم قالت ويحك إذا أوقد المندل الرطب على هذه الروضة أو بخرت به أمك العجوز الشنعاء
كانت كذلك فهلا قلت كما قال امرؤ القيس بن حجر الكندي:

ألم ترياني كلما جئت زائراً وجدت بها طيباً وإن لم تطيب

فناولها مطرف خز كان معه وقال استري علي ذلك وهذه الحكاية نقلها قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان في تاريخه، ثم قال إن بعض مشايخ الأدب قال ليس على كثير شيء فإن قوله إذا أوقدت بالمندل الرطب نارها نعت للروضة المذكورة انتهى وهذا جيد لو لم يطلب كثير من العجوز الستر فإنه عرفنا أنه ما أراد إلا المعنى المعترض فيكون هذا تصحيحاً لإثبات قصده، وتوفي كثير سنة خمس ومائة وقبر في مقابر المدينة وله في عزة أشعار كثيره من محاسنها قوله:

يقولون سوداء العيون مريضة فأقبلت من أهلي إليها أعودها
فواللّه ما أدري إذا أنا جئتها أأبرئها من دائها أم أزيدها
إذا جئتها وسط النساء منحتها صدوداً كان النفس ليس تريدها
ولي نظرة بعد الصدود من الجوى كنظرة ثكلى قد أصيب وحيدها

وقيل أن هذه الأبيات لذي الرمة لأنه بعد ما ذكر يقول:

وكنت إذا ما جئت ميا أزورها أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

و عندما سأل أن يرشدوه إلى قبر عزة فلما وقف عليه أنشد:

وقفت على ربع لعزة ناقتي وفي البر رشاش من الدمع يسفح
فيا عز أنت البدر قد حال دونه رجيع تراب والصفيح المضرح
وقد كنت أبكي من فراقك خفية فهذا لعمري اليوم أنأى وأنزح
فهلا فداك الموت من أن ترينه بمن هو أسوأ منك حالاً وأقبح
ألا لا أرى بعد ابنة النضر لذة لشيء ولا ملجأ لمن يتملح
فلا زال رمس ضم عزة سائلاً به نعمة من رحمة اللّه تسفح
فإن التي أحببت قد حال دونها طوال الليالي والضريح الموجح
أرب بعيني البكا كل ليلة فقد كاد مجرى الدمع عيني يقرح
إذا لم يكن ما تسفح العين لي دماً وشر البكاء المستعار المسيح

و له :

ألا حيا ليلى أجد رحيلي وآذن أصحابي غدا بقفولي
تبدت له ليلى لتذهب عقله وشاقتك أم الصلت بعد ذهول
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل
إذا ذكرت ليلى تغشتك عبرة تعل بها العينان بعد نهول

و له :

حلفت برب الراقصات إلى منى خلال الملا يمددن كل جديل
يمين امرىء مستغلظ من ألية يكذب قيلاً قد ألح بقيل
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بليلى ولا راسلتهم برسول
فإن جاءك الواشون عني بكذبة فروها ولم يأتوا لها بحويل
فلا تعجلي يا ليل أن تتفهمي بنصح أتى الواشون أم بخيول

و له :

تذكرت أتراباً لعزة كالمهى حبين بلفظ ناعم وقبول
وكنت إذا لاقيتهنّ كأنني مخالطة عقلي سلاف شمول

و له :

كفى حزناً للعين إن رد طرفها لعزة عير آذنت برحيل
وقالوا نأت فاختر من الصبر والبكى فقلت البكى أشفى إذن لغليلي
توليت محزوناً وقلت لصاحبي أقاتلتي ليلى بغير قتيل
لعزة إذ ما حل بالخيف أهلها فأوحش منها الخيف بعد حلول
وبدل منها بعد طول إقامة تبعث نكباء العنى جفول
لقد أكثر الواشون فينا وفيكم ومال بنا الواشون كل مميل
وما زلت من ليلى لدن طر شاربي إلى اليوم كالمقصي بكل سبيل

و له :

لا تغدرن بوصل عزة بعد ما أخذت عليك مواثقاً وعهودا
إن المحب إذا أحب حبيبه صدق الصفاء وأنجز الموعودا
اللّه يعلم لو أردت زيادة في حب عزة ما وجدت مزيدا
رهبان مدين والذين عهدتهم يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت حديثها خرو العزة خاشعين سجودا
والميت ينشر أن تمس عظامه مساو يخلدان يراك خلودا

و له :

تفرق أنواع الحجيج على منى وفرقهم شعب النوى بين أربع
فلم أر داراً مثلها دار غبطة وملقى إذا التف الحجيج لمجمع
أقل مقيماً راضياً بمقامه وأكثر جاراً ظاعناً لم يودع
فشاقوك لما وجهوا كل وجهة سراعاً وأخلوا عن منازل بلقع
فريقان منهم سالك بطن نخلة وآخر منهم سالك خبت يفرع

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالأحد يونيو 27, 2010 4:48 pm

6 - جميل و بثينة
هو ابن عبد الله بن عامر يتصل نسبه بقضاعة , كان شاعراً فصيحاً منطقياً صادق الصبابة عفيفاً منزهاً عن الرذائل عارفاً بالنسيب . علق بثينة بنت يحيى بن ثعلب من قومه صغيرين فلما انتشأ خطبها فرد لأن العرب كانت تستهجن إن تزوج من جرى بينهما عشق فكان يأتيها سراً يتحادثان فعلموا به فأرادوا قتله فأعلمته عن ذلك فتخفى وفي ذلك يقول:

فلو أن الغادون بثنة كلهم غيارى وكل حارب مزمع قتلى
لحاولتها أما نهاراً مجاهراً وأما سري ليل ولو قطعت رجلى

ويقال إن سبب عشقه بثينة أنه سرح أبله يوماً بواد البغيض وانسطح فأتت مع جواري يملأن الماء فعبثت بفصيل له فتسابا فاستلطف سبابهاهذا فقال :

وأول ما قاد المودة بيننا بوادي بغيض يا بثين سباب
وقلت لها قولاً فجاءت بمثله لكل كلام يا بثين جواب

أشتكى أهلها أمره إلى مروان بن هشام الحضرمي وكان والياً من قبل عبد الملك على تيماء
فتوعده فمضى متخفياً إلى الشام وقيل إلى سيد من بني عذرة فأحسن مكانه وزين له سبع بنات رجاء أن يتعلق بواحدة منهن فيزوجه بها فكن يرفعن الخباء إذا أقبل جميل ففطن لذلك فأنشد :

حلفت لكيما تعلميني صادقاً وللصدق خبر في الأمور وأنجح
لتكليم يوم واحد من بثينة ورؤيتها عندي ألذ وأملح
من الدهر أو أخلو بكنّ وإنما أعالج قلباً طامحاً حيث يطمح

و مما يدل على تمكن العشق منه قوله :

علقت الهوى منها وليداً فلم يزل إلى الآن ينمي حبها ويزيد
وأفنيت عمري في انتظار نوالها وأفنت بذاك الدهر وهو جديد


وشت جارية بجميل وبثينة إلى أبيها و أنه الليلة عندها فأتى وأخوها مشتملين معتمدين سيفيهما لقتله فسمعاه يقول لها بعد شكوى شغفه بها هل لك بما يفعل المتحابان فقالت قد كنت عندي بعيداً من هذا ولو عدت إليه لن ترى وجهي أبداً فضحك ثم قال والله ما قلته إلا اختباراً ولو أجبت إليه لضربتك بسيفي هذا إن استطعت وإلا هجرتك أما سمعت قولي:

وإني لأرض من بثينة بالذي لو أبصره الواشي لقرّت بلابله
بلى وبأن لا أستطيع وبالمنى وبالأمل المرجوّ قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضي أواخره لا نلتقي وأوائله

فقالا لا ينبغي لنا إيذاء من هذه حالته ولا منع التزاور وانصرفا وسأل عبد الملك يوماً كثيراً عن
حال جميل وبثينة فقال يا أمير المؤمنين سرت معه يوماً إليها فلما وصلنا بالقرب منها أقبلت مع نسوة فلما رأينه ووقفا يتحادثان من أول الليل حتى طلع الفجر ثم قالت حين أزمعا الفراق ادن مني فدنا فأسرت إليه فخر مغشياً عليه فلما أفاق أنشد:

فما ماء مزن في جبال منيفة ولا ما أكنت في معادنها النحل
بأشهى من القول الذي قلت بعدما تمكن في حيزوم ناقتي الرحل

وعن كثير قال سألني جميل أخذ موعد من بثينة فقلت هل بينكما موعد قال بوادي الدوم وهي تغسل الثياب فجئت أباها وهو جالس فحادثته قليلاً ثم أنشدته:

وقلت لها يا عز أرسل صاحبي على نأي دار والموكل مرسل
فإن تجعلي بيني وبينك موعداً وإن تأمريني بالذي فيه أفعل
وآخر عهد منك يوم لقيتني بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل

يقال دخلت بثينة على عبد الملك وقد أخلقها الدهر فقال لها ما الذي رأى فيك جميل حتى عشقك فقالت ما رأي فيك الناس حتى ولوك الخلافة فضحك حتى بدت له سن سوداء كان يسترها

ومن لطائف الشعر الذي قاله جميل في بثينة :

لقد فرح الواشون أن صرمت حبلى بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلاً يا جميل وإنني لاقسم مالي عن بثينة من مهل
أحلماً فقبل اليوم كان أوانه وأخشى فقبل اليوم أوعدت بالقتل
إذا ما تناشدنا الذي كان بيننا جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل
كلانا بكى أو كاد يبكي صبابة إلى ألفه فاستعجلت عبرة قبلي
فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي بها ويا ويح أهلي ما أصيب به أهلي
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي

وقال :

خليليّ عوجا اليوم حتى تسلما على عذبة الأنياب طيبة النشر
فإنكما إن عجتما لي ساعة شكرتكما حتى أغيب في قبري
وإنكما إن لم تعوجا فإنني سأصرف وجدي فأذنا اليوم بالهجر
وما لي لا أبكي وفي الأيك نائح وقد فارقتني شختة الكشح والخصر
أيبكي حمام الأيك من فقد ألفه واصبر ما لي عن بثينة من صبر
يقولون مسحور يجنّ بذكرها فأقسم ما بي من جنون ولا سحر
واقسم لا أنساك ما ذرّ شارق وما هب آل في معلمة قفر
وما لاح نجم في السماء معلق وما أورق الأغصان من ورق السدر
لقد شغفت نفسي بثين بذكركم كما شغف المجنون يا بثن بالخمر
ذكرت مقامي ليلة البان قابضاً على كف حوراء المدامع كالبدر
فكدت ولم أملك إليها صبابة أهيم وفاض الدمع مني على النحر
فيا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة كليلتنا حتى نرى ساطع الفجر
تجود علينا بالحديث وتارة تجود علينا بالرضاب من الثغر
فليت إلهي قد قضى ذاك مرة فيعلم ربي عند ذلك ما شكري
ولو سألت مني حياتي بذلتها وجدت بها إن كان ذلك من أمري

و قال :

ألا ليت أيام الصفاء جديد ودهراً تولى يا بثين يعود
فنبقى كما كنا نكون وأنتم صديق وإذ ما تبدلين زهيد
وما أنس ما الأشياء لا أنس قولها وقد قربت نحوي أمصر تريد
ولا قولها لولا العيون التي ترى أتيتك فاعذرني فدتك جدود
خليليّ ما أخفي من الوجد ظاهر ودمعي بما أخفى الفؤاد شهيد
ألا قد أرى اللّه لا ربّ غيره إذا الدار شطت بيننا سنرود
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي من الحبّ قالت ثابت ويزيد
وإن قلت ردّي بعض عقلي أعش به مع الناس قالت ذاك منك بعيد
فما ذكر الخلان إلا ذكرتها ولا البخل إلا قلت سوف تجود
فلا أنا مردود بما جئت طالباً ولا حبها فيما يبيد يبيد
جزتك الجوازي يا بثين سلامة إذا ما خليل بان وهو حميد
وقلت له بيني وبينك فاعلمي من اللّه ميثاق له وعهود
وقد كان حبيبكم طريفاً وتالداً وما الحب إلا طارف وتليد
وإنّ عروض الوصل بيني وبينها وإن سهلته بالمنى لصعود
فأفنيت عيشي بانتظار نوالها وأبلت بذاك الدهر وهو جديد
فليت وشاة الناس بيني وبينها يدوف لهم سما طمائم سود
وليتهم في كل ممسى وشارق تضاعف أكبال لهم وقيود
ويحسب نسوان من الجهل أنني إذا جئت إياهنّ كنت أريد
فأقسم طرفي بينهنّ فيستوي وفي الصدر بون بينهنّ بعيد
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة بوادي القرى إني إذاً لسعيد
وهل أهبطن أرضاً تظل رياحها لها بالثنايا الثاويات وئيد
وهل القين سعدي من الدهر مرة وما من حبل الوصال حديد
فقد تلتقي الأهواء من بعد يأسها وقد تطلب الحاجات وهي بعيد
وهل ازجرن حرفاً علاة شملة بخرق تباريها سواهم قود
على ظهر سرحوب كأن نسوره إذا حار هلاك الطريق رقود
سبتني بعيني جؤذر وسط ربرب وصدر حكى لون اللجين وجيد
تزيف كما زافت إلى سلفاتها مباهية طيّ الوشاح ميود
إذا جئتها يوماً من الدهر زائراً تعرّض منقوص اليدين صدود
يصد ويغضي عن هواي ويجتني ذنوباً علينا إنه لعنود
فاصرمها خوفاً كأني مجانب ويغفل عنا مرّة فنعود
فمن يعط في الدنيا قريناً كمثلها فذلك في عيش الحياة رشيد
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ويحيا إذا فارقتها فيعود
يقولون جاهد يا جميل بغزوة وأيّ جهاد غيرهنّ أريد
لكل حديت بينهنّ بشاشة وكل قتيل بينهنّ شهيد
إذ فكرت قالت أدركت ودّه وما ضرّني بخلي ففيم أجود
ومن كان في حبي بثينة يمتري فبقاء ذي ضال عليّ شهيد
ألم تعلمي يا أم ذا الودع إنني أضاحك ذكراكم وأنت صلود

و يقال أن جميل أراد أن يجتمع ببثينة مرة فأعيته الحيلة حتى أقبل عليه المغني معبد و كان يأخذ منه أشعاره ليغنيها في مجالس الطرب فأخذا يتناشدان الشعر حتى وصلا إلى هضبة قريبة من مضارب بثينة فقال له جميل هل لك أن تذهب إلى وراء السفح فتنشد لي بكرة صفتها كذا قال نعم
ومضى فوجد العرب مجتمعين على جزور ينحر فاستطلعهم عنها ثم استأذنهم يبحث في البيوت وقال لهم إن النساء أدرى بالمارة فأذنوا له فانصرف يتصفح الحي إلى أن أحتدم النهار ولم يظفر بطلبه وإذا هو بثلاث بنات فقال لا أنصرف إليه دون حاجته فجائهن فسلم فرددن عليه ثم استنشدهن عن البكرة فقالت إحداهن قد أصبت حاجتك ثم أدخلته بيتاً وأتته بقدح مفضض فيه تمر وصحفة شامية مفضضة فيها لبن فتناول كفايته ثم قالت إن بكرتك تأتي هذه الشجرة فتطوف بها الليل فرجع إليه وحدثه القصة فابتهج كالذي أصاب بغيته وهو لا يدري , فلما جاء الليل وآنس به و قد نام عمد إلى رحله فاستخرج بردتين ملوكيتين من برود الخلافة فأتزر بأحدهما واتشح بالآخر ومضى فتبعه معبد بحيث لم يشعر حتى التقى بثينة تحت الشجرة ذاتها فلم يكن بينهما إلا ما يرضي الوشاة إلى أن رأيا الصبح فلما أزمعا الفراق سبقه ونام وجاء فصلى ثم نبهته وهو مسرور فأكل معه وشرب ثم أخبره أنه جميل وأنها بثينة ثم أعطاه برداً واعتذر منه وودعه بعد أن قال هل لك أن تمضي فتنشدها أبياتاً قلتها بعد منصرفي عنها قال نعم فانشده :

أَلا لَيتَ رَيعانَ الشَبابِ جَديدُ وَدَهراً تَوَلّى يا بُثَينَ يَعودُ
فَنَبقى كَما كُنّا نَكونُ وَأَنتُمُ قَريبٌ وَإِذ ما تَبذُلينَ زَهيدُ
وَما أَنسَ مِنَ الأَشياءِ لا أَنسَ قَولَها وَقَد قُرِّبَت نَضوي أَمِصرَ تُريدُ
وَلا قَولَها لَولا العُيونُ الَّتي تَرى لَزُرتُكَ فَاِعذُرني فَدَتكَ جُدودُ
خَليلَيَّ ما أَلقى مِنَ الوَجدِ باطِنٌ وَدَمعي بِما أُخفي الغَداةَ شَهيدُ
أَلا قَد أَرى وَاللَهِ أَن رُبَّ عُبرَةٍ إِذا الدار شَطَّت بَينَنا سَتَزيدُ
إِذا قُلتُ ما بي يا بُثَينَةُ قاتِلي مِنَ الحُبِّ قالَت ثابِتٌ وَيَزيدُ
وَإِن قُلتُ رُدّي بَعضَ عَقلي أَعِش بِهِ تَوَلَّت وَقالَت ذاكَ مِنكَ بَعيدُ
فَلا أَنا مَردودٌ بِما جِئتُ طالِباً وَلا حُبُّها فيما يَبيدُ يَبيدُ
جَزَتكَ الجَوازي يا بُثَينَ سَلامَةً إِذا ما خَليلٌ بانَ وَهُوَ حَميدُ
وَقِلتُ لَها بَيني وَبَينَكِ فَاِعلَمي مِنَ اللَهِ ميثاقٌ لَهُ وَعُهودُ
وَقَد كانَ حُبّيكُم طَريفاً وَتالِداً وَما الحُبُّ إِلّا طارِفٌ وَتَليدُ
وَإِنَّ عَروضَ الوَصلِ بَيني وَبَينَها وَإِن سَهَّلَتهُ بِالمُنى لَكَؤودُ
وَأَفنَيتُ عُمري بِاِنتِظارِيَ وَعدَها وَأَبلَيتُ فيها الدَهرَ وَهوَ جَديدُ

فمضى إليها و قال لها قد جئت بالأمس طالباً واليوم مسلماً وذكر تناءه ووجده ثم قال هل أنت بارزة إلي قالت نعم فسمع جارية تقول لها يا بثينة إن عليه برد جميل ثم خرجت في زينة و بهجة وقالت يا أخا تميم إن بردك لا يشبه ما عليك فاستخرجت ملاءة مصبغة بالعصفر وأقسمت أن يتشح بها ففعل وأنشدها ما قال ورجع بملحفة بثينة وبرد جميل .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نزار محمد شجاع
مشرف أقسام نفحات من الإيمان والكاريكاتير
مشرف أقسام نفحات من الإيمان والكاريكاتير
نزار محمد شجاع


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 653
نقآطيَ » : 79595
تآريخ التسجيــل : 24/01/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالإثنين يونيو 28, 2010 10:24 am

اله يعطيك العافية متابع معك
بس الله يسامحك وحدة وحدة وكل اسبوع وحدة لنقدر نقراها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 29, 2010 8:34 pm

الأخ نزار مشكور على هذه الملاحظة
التي فاتتني
و سأعمل بها لأنها مريحة لي أيظا ً
شكرا ً لمرورك
تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
د نظام محسن
المراقب العام
د نظام محسن


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 6187
عمريَ » : 53
مكآنيَ » : السعودية
نقآطيَ » : 89876
تآريخ التسجيــل : 17/04/2009

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 29, 2010 9:40 pm

الشكر متواصل
على العمل الرائع
مودتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالخميس يوليو 01, 2010 11:06 pm

الأخ نزار
الأخ د . نظام محسن
شكرا ً على متابعتكم لهذا الموضوع
لكم مني كل الإحترام و التقدير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالخميس يوليو 01, 2010 11:09 pm


7 - أخبار عروة و عفرا

هو عروة بن حزام بن مالك بن حزام بن ضبة بن عبد بن عدرة شاعر لبيب حاذق متمكن في
العشق. قيل أنه أول عاشق مات بالهجر من المخضرمين أو من العذريين ولشدة مقاساته في العشق
ضرب به المثل بين العرب والمولدين قال المجنون عجبت لعروة العذري البيت، وقال أبو عيينة:

فما وجد النهدي إذا مات حسرة عشية بانت من حبائله هند
ولا عروة العذري إذ طال وجده بعفراء حتى شف مهجته الوجد
كوجدي غداة البين عند التقائها وقد طار عنها بين أترابها البرد

وقال جرير:

هل أنت شافية قلباً يهيم بكم لم يلق عروة من عفراء ما وجدا
ما في فؤادي من داء يخامره إلا التي لو رآها راهب سجدا
إنّ الشفاء وإن ضفنت بنائله قرع البشام الذي تجلو به البردا

وعفراء هي بنت هصر أخي حزام كلاهما ابنا مالك من بطن من العذريين، يقال له نهد , إن سبب عشقه لها، أن أباه حزاماً توفي ولعروة من العمر أربع سنين وكفله هصر أبو عفراء، فانتشئا جميعاً فكان يألفها وتألفه. فلما بلغ الحلم، سأل عروة عمه تزويجها فوعده ذلك ثم أخرجه إلى الشام بتجارة . وجاء ابن أخ له يقال له اثالة بن سعيد بن مالك يريد الحاج فنزل بعمه هصر, فبينما هو جالس يوماً تجاه البيت إذ خرجت عفراء حاسرة عن وجهها ومعصميها تحمل أدواة سمن وعليها ازار خز أخضر. فلما رآها وقعت من قلبه بمكانة عظيمة فخطبها من عمه فزوجه بها. أما عروة فأقبل مع العير بينما كان أثالة يحمل عفراء على جمل أحمر فعرفها من بعيد، وأخبر أصحابه، فلما التقيا وعرف الأمر بهت لا يستطيع جواباً حتى افترق القوم فأنشد:

وإني لتعروني لذكراك رعدة لها بين جلدي والعظام دبيب
فما هو إلا أن رآها فجاءة فأبهت حتى ما يكاد يجيب
فقلت لعرّاف اليمامة داوني فإنك إن أبرأتني لطبيب
فما بي من حمى ولا مس جنة ولكنّ عمي الحميريّ كذوب
عشية لا عفراء منك بعيدة فتسلو ولا عفراء منك قريب
بنا من جوى الأحزان والبعد لوعة تكاد له نفس الشفيق تذوب
ولكنما أبقى حشاشة مقول على ما به عود هناك صليب
وما عجبي موت المحبين في الهوى ولكن بقاء العاشقين عجيب
وقيل أنه لم ينشد في ذلك الموقف سوى البيتين الأولين، وأما قوله: فقلت لعراف اليمامة إلى قوله
وما عفراء منك قريب. فإنه أنشده حين أتى به إلى الطبيب وسبب ذلك أنه حين وصل الحي أخذه
الهذيان والقلق وأقام أياماً لا يتناول قوتاً حتى شفت عظامه ولم يخبر بسره أحداً، وأنه حمل ليلة إلى الخلاءالرحب ليتنزه به، فسمع رجلاً يقول لوالده على أي ناقة حملت الشعب، يعني قرب الماء، فقال على العفراء، فأغمي عليه ساعة ثم قام مخبولاً وكان باليمامة عراف يعني كاهناً له قرين من الجن يعرّفه الأخبار ودواء بعض الأمراض وكان يقال له رياح بن راشد وكنيته أبو كحلاء فحملوه إليه فلما رآه أخذ يعالجه بأنواع العلاج والرقي وصب الماء عليه وأصل ذلك أن العرب كانت إذا عالجوا شخص بالسحر جعلت على رأسه طبقاً فيه ماء ثم أذابت الرصاص وسكبته في ذلك الماء ودفنته في فضاء من الأرض فيزول عن الشخص ما به، وإن الكاهن فعل بعروة ذلك مراراً فلما ينجح، فأخبرهم أن ما به ليس إلا من العشق. وقيل أنه عرف ذلك من يوم قدومهم به، فلما أحس باليأس أنشد: فقلت لعراف اليمامة أي الأبيات التي مر ذكرها , فحمل إلى عرّاف آخر بنجد ففعل به مثل ذلك فأنشد الأبيات الآتية في نونيته وهي قوله جعلت لعراف
اليمامة. وأما قوله ( بنا من جوى الأحزان) و(وبي من جوى الأحزان) أنشده حين حمل إلى ابن عباس ليدعو له بمكة وقد سلف أن صاحب القصة غيره و الله أعلم .

ولما يأس من الشفاء تمارض بين أهله زماناً حتى شاع انتحاله في العرب مثلاً. وإن ابن أبي عتيق مر به فرأى أمه تلاطف غلاماً كالخيال فسألها عن شأنه، فقالت هو عروة فسألها كشف الغطاء عنه، فلما شاهده قضي عجباً ثم استنشده فأنشد جعلت لعراف اليمامة حكمه الأبيات السابقة ولما تملك الضجر من أهله، قال لهم احتملوني إلى البلقاء فإني أرجو الشفاء. فلما حل بها وجعل يسارق عفراء النظر عند مرورها، عاودته الصحة. فأقام كذلك إلى أن لقيه شخص من عذرة فسلم عليه. فلما أمسى دخل على زوج عفراء فقال له متى قدم هذا الكلب عليكم فقد فضحكم بكثرة ما يتشبب بكم فقال من قال عروة قال أنت أحق بما وصفته به والله ما علمت بقدومه وكان زوج عفراء موصوفاً بالسيادة ومحاسن الأخلاق في قومه. فلما أصبح جعل يتفقد الأمكنة حتى لقي عروة فعاتبه وأقسم بالمحرجات أنه لا ينزل إلا عنده فوعده ذلك، فذهب مطمئناً وأن عروة
عزم أن لا يبيت الليل، وقد علم به فخرج فعاوده المرض فتوفي بوادي القرى، دون منازل قومه.
وقيل وصلها لرواية ابن العاص، قال استعملني عمر رضي الله عنه في جباية صدقات العذريين
فبينما أنا يوماً بإزاء بيت إذ نظرت امرأة عند سجف البيت وإلى جانبها شخص لم تبق إلا رسومه
فجلست أنظر إليه فتموج ساعة ثم خفق خفقة فارق الحياة فقلت لها من الرجل قالت عروة فقلت كأنه قضى , فقالت نعم، ولما بلغ عفراء وفاته قالت لزوجها قد تعلم ما بينك وبيني وبين الرجل من الرحم وما عنده من الوجد وإن ذلك على الحسن الجميل فهل تأذن لي أن أخرج إلى قبره فأندبه فقد بلغني أنه قضي، قال ذلك إليك فخرجت حتى أتت قبره فتمرغت عليه وبكت طويلاً ثم أنشدت:

ألا أيها الركب المحثون ويحكم بحق نعيتم عروة بن حزام
فإن كان حقاً ما تقولون فاعلموا بأن قد نعيتم بدر كل ظلام
فلا لقي الفتيان بعدك راحة ولا رجعوا من غيبة بسلام
ولا وضعت انثى تماماً بمثله ولا فرحت من بعده بغلام
ولا لابلغتم حيث وجهتم له وغصتم لذات كل طعام

و لما فرغت ألقت نفسها على القبر و لما حركت وجدت ميتة , و دفنت إلى جانبه فنبتت عند القبرين شجرتان حتى إذا صارتا على حد قامة الإنسان التفتا باتجاه بعضهما فكانت المارة تنظر إليهما ولا يعرفان من أي ضرب من النبات وكثيراً ما أنشدت فيهما الناس فمن ذلك قول الشهاب محمود:

باللّه يا سرحة الوادي إذا خطرت تلك المعاطف حيث الرند والغار
فعانقيهم عن الصب الكئيب فما على معانقة الأغصان انكار

وقول صاحب الأصل:

غصنان من دوحة طال ائتلافهما فيها فجالت صروف الدهر فافترقا
فصار ذا في يد تحويه ليس له منها براح وهذا في الغلاة لقا
حتى إذا ذويا يوماً وضمهما بعد التفرق بطن الأرض واتفقا
حنا على العهد في أرجائها فحنا كل على ألفه في الترب واعتنقا

ومن محاسن شعرعروة قصيدته التي على حرف النون فقد ضمنها حكاية حاله بألفاظ رقيقة
ومعان أنيقة وهي :

خليل من عليا هلال بن عامر بصنعاء عوجا اليوم وانتظراني
ولا تزهدا في الأجر عندي واجعلا فإنكما بي اليوم مبتليان
ألم تعلما أن ليس بالمرج كله أخ وصديق خالص فذراني
أفي كل يوم أنت رام بلادها بعيني إنساناً هما غرقان
وعيناي ما وافيت نشر فتنظرا بما فيهما إلا هما تكفان
ألا فاحملاني بارك اللّه فيكما إلى حاضر البلقاء ثم دعاني
على جسرة الأصلاب ناجية السرى تقطع عرض البيد بالوخدان
ألماً على عفراء إنكما غدا بشحط النوى والبين مفترقان
فيا واشي عفراء ويحكما بمن وما والي من جئتما نشيان
بمن لو أراه غائباً لفديته ومن لو رآني عائباً لفداني
فيا واشي عفرا دعاني ونظرة تقر بها عيناي ثم زماني
أغركما مني قميص لبسته جديداً وبرد أيمنة زهياني
متى تكشفا عني القميص تبينا بي الضرر من عفراء يا فتيان
إذا تريا لحماً قليلاً وأعظماً بلين وقلباً دائم الرجفان
على كبدي من حب عفراء قرحة وعينان من وجدي بها تكفان
فعفراء أرجى الناس عندي مودة وعفراء عني المعرض المتواني
أحب ابنة العذري حباً وإن نأت ودانيت فيها غير ما متداني
إذا رام قلبي هجرها حول دونه شفيعان من قلبي لها جدلان
إذا قلت قالا بلى ثم أصبحا جميعاً على الرأي الذي يريان
فيا رب أنت المستعان على الذي تحملت من عفراء منذ زمان
فيا ليت كل اثنين بينهما هوى من الناس والانعام يلتقيان
فيقضي حبيب من حبيب لبانة ويرعاها ربي فلا يريان
فيا ليت محيانا جميعاً وليتنا إذا نحن متنا ضمنا كفنان
ويا ليت أنا الدهر في غير ريبة خليان نرعى القصر مؤتلفان
هواي أمامي ليس خلفي معرج وشوق قلوصي في الغدو يماني
هواي عراقي وثنى زمامها لبرق إذا لاح النجوم يماني
متى تجمعي شوقي وشوقك تطلعي ومالك بالعبء الثقيل يدان
يقول لي الأصحاب إذ يعدلونني أشوق عراقي وأنت يماني
تحملت من عفراء ما ليس لي به ولا للجبال الراسيات يدان
كأن قطاة علقت بجناحها على كبدي من شدة الخفقان
جعلت لعرّاف اليمامة حكمه وعراف نجد إن هما شفيان
فقالا نعم تشفى من الداء كله وقاما مع العوّاد يبتدران
نعم وبلى قالا متى كنت هكذا ليستخبراني قلت منذ زمان
فما تركا من رقية يعلمانها ولا سلوة إلا وقد سقياني
وما شفيا الداء الذي بي كله ولا ادّخر نصحاً ولا ألواني
فقالا شفاك اللّه واللّه ما لنا بما حملت منك الضلوع يدان
فرحت من العراف تسقط عمتي عن الرأس ما التائها ببنان
معي صاحباً صدق إذا ملت ميلة وكانا بجنبي سرعة عدلاني
فيا عم إذا العذر لا زلت مبتلى حليفاً لهم لازم وهوان
غدرت وكان الغدر منك سجية فألزمت قلبي دائم الخفقان
وأورثتني غماً وكرباً وحسرة وأورثت عيني دائم الهملان
فلا زلت ذا شوق إلى هويته وقلبك مقسوماً بكل مكان
وإني لأهوى الحشر إذ قيل إنني وعفراء يوم الحشر ملتقيان
ألا يا غرابي دمنة الدار بيننا أبالهجر من عفراء تنتحبان
فإن كان حقاً ما تقولان فاذهبا بلحمي إلى وكريكما فكلاني
كلاني أكلا لم ير الناس مثله ولا تهضما جنبي وازدرداني
ولا تعلمان الناس ما كان قصتي ولا يأكلنّ الطير ما تذراني
ألا لعن اللّه الوشاة وقولهم فلانة أضحت خلة لفلان
إذا ما جلسنا مجلساً نستلذه تواشوا بنا حتى أمل مكاني
تكنفني الواشون من كل جانب ولو كان واش واحد لكفاني
ولو كان واش باليمامة أرضه أحاذره من شؤمه لأتاني
يكلفني عمي ثمانين ناقة ومالي والرحمن غير ثمان
فواللّه ما حدّثت سرك صاحباً ضحى وقلوصانا بنا تخدان
ضحينا ومستنا جنوب ضعيفة نسيم لرياها بنا خفقان
تحملت زفرات الضحى فأطقتها ومالي بزفرات العشيّ يدان
فيا عم لا سقيت من ذي قرابة بلالاً فقد زلت بك القدمان
ومنيتني عفراء حتى رجوتها وشاع الذي منيت كل مكاني
فواللّه لولا حب عفراء ما التقى عليّ رواقاً بيتك الخلقان
رواقان خفاقان لا خير فيهما إذا هبت الأرواح يصطفقان
ولم أتبع الأظعان في رونق الضـ حى ورحلي على نهاضة الخديان
لعفراء إذ في الدهر والناس غرة إذا خلقان بالصبي يسراني
لادنو من بيضاء خفاقة الحشى بنية ذي قارورة شنآن
كان وشاحيها إذا ما ارتدتهما وقامت عناناً مهرة سلسان
وليس بأبدان لها ملتقاها ومتناهماً رخوان يضطربان
وتحتيهما حقفان قد أذقتني وحزن ألح العين بالهملان
وعينان ما وافيت نشراً فتن ظراً بمأقيها الا هما تكفان
فهل حاد يا عفراء إن خفت فوتها عليّ إذا ناديت مرعويان
ضروبان للتالي القطوف إذا ولى بسيحان من يعصي به حذران
فما لكما من حاديين كسيتما سرابيل مغلاه من القطران
وما لكما من حاديين رميتما بحمى وطاعون ألا تقفان
فويلي على عفراء ويلاً كأنه على الكبد والأحشاء حدّ سنان
ألا حبذا من حب عفراء ملتقى نعم وإلا لا حيث يلتقيان
لو أن أشد الناس وجداً ومثله من الجن بعد الانس يلتقيان
ويشتكيان الوجد ثمة اشتكي لا ضعف وجدي فوق ما يجدان
فقد تركتني ما أعى لمحدّث حديثاً وإن ناجيته ونجاني
وقد تركت عفراء قلبي كأنه جناح غراب دائم الخفقان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالجمعة يوليو 09, 2010 11:29 am

8 - أخبار عبد الله بن عجلان وصاحبته هند

هو عبد الله بن عجلان بن عبد الأحب بن عامر بن كعب يتصل بقضاعة وهو فخذ من بني
الحريش وسعد افترقوا من قضاعة على ما ذكر في الأنساب أربعون فخذاً. وفي النزهة أنه عذري و هو ليس كذلك، ولكن بينه وبينهم حيث لا ترمى العصا وذلك دون خمس جدود وقال في كتاب الأنساب كانت العرب تعد الرجل منها ما لم يفارقهم بخمس بطون فإذا بلغ ذلك، قالوا
قطع النسب، ورميت العصا وكان عبد الله هذا يكنى أبا عمرة وهو شاعر مفلق وناطق مزلق رقيق أديب قال في ( بلغة الاشفاق في ذكر أيام العشاق ) وهو جزء لطيف لابن رشيق موضوعه ذكر مدة العشاق في العشق أن عبد الله هذا أقل العشاق أياماً، عاش مكابد المحبة وغصة العشق ثلاثين سنة وهو جاهل يضرب به المثل كما ضرب بعروة فما قيل فيه قول قيس:

فما وجدت وجدي بها أم واحد * ولا وجد النهدي وجدي على هند
ولا وجد العذري عروة في الهوى * كوجدي ولا من كان قبلي ولا بعدي

فقوله النهدي إشارة إلى ابن عجلان هذا وقد سماه عمراً في أبيات سبقت في قصته وقول البحتري:

هوى لا جميل في بثينة ناله * بمثلي ولا عبد بن عجلان في هند

وهند هي بنت كعب بن عمرو بن ليث النهدي يتصل مع عبد الله في النسب قال في الظرائف أن
سبب اعتلاقه بها، أنه خرج يوماً إلى شعب من نجد ينشد ضالة فشارف ماء يقال له نهر غسان
وكانت بنات العرب تقصده فتخلع ثيابها وتغتسل فيه. فلما علا ربوة تشرف على النهر المذكور ورآهن على تلك الحالة، فمكث ينظر إليهن مستخفياً , فصعدن حتى بقيت هند، وكانت طويلة الشعر فأخذت تمشطه وتسبله على بدنها وهو يتأمل شفوف بياض جسمها من خلال سواد الشعر، ونهض ليركب راحلته فعجز، وأقعد ساعة فعند ذلك داخله من الحب ما أعجزه وعطل حركاته فأنشد فوراً:

لقد كنت ذا بأس شديد وهمة * إذا شئت لمساً للثريا لمستها
أتتنى سهام من لحاظ فأرشقت * بقلبي ولو أستطيع ردّ أرددتها

ثم عاد وقد تمكن الهوى منه فأخبر صديقاً له، فقال اكتم ما بك واخطبها إلى أبيها فإنه يزوجك بها وإن أشهرت عشقها حرمتها ففعل وخطبها فأجيب وتزوج بها وأقاما على أحسن حال، وأنعم بال لا يزاد فيها إلا غراماً فمضى عليهما ثمان سنين وأنها أقامت على عاقرا ً لا تحمل، وكان أبوه ذا ثروة ليس له غيره فأقسم عليه أن يتزوج غيرها ليولد له ولد لحفظ النسب والمال فعرض عليها ذلك فأبت أن تكون مع أخرى فعاود أباه فأمره بطلاقها فأبى فألح عليه وهو لم يجب إلى أن بلغه يوماً أن عبد الله قد تمكن السكر منه فعدها فرصة وأرسل إليه يدعوه، وقد جلس مع أكابر الحي فمنعته هند وقالت والله لا يدعوك لخير وما أظنه إلا عرف أنك سكران فيريد أن يعرض عليك الطلاق ولئن فعلت لمت وأظن أنك فاعل. و يقال أنه خلى على هند قبل ذلك اليوم عجوز كاهنة تضرب بالرمل وأخبرت هند أنها ستطلق، فأبي عبد الله إلا الخروج فجاذبته ويدها مغموسة بالزعفران فأثرت في ثوبه. فلما جلس مع أبيه وقد عرف أكابر العرب حاله فأقبلوا يعنفونه ويتناوشونه من كل مكان حتى استحى فطلقها، فلما سمعت بذلك احتجبت عنه فوجد وجداً كد أن يقضي معه وأنشد:

طلقت هنداً طائعاً * فندمت بعد فراقها
فالعين يذرف دمعها * كالدر من آماقها
متحلباً فوق الردا * فتجول في رقراقها
خود رداح طفلة * ما الفحش من أخلاقها
ولقد ألذ حديثها * وأسر عند عناقها
إن كنت ساقية ببز * ل الأدم أو بحقاقها
فاسقي بني نهد إذا * شربوا خيار زقاقها
فالخيل تعلم أحلقـ * ـها غداة لحاقها
بأسنة زرق منحن القـ * ـوم حد رقاقها
حتى ترى قصد القنا * والبيض في أعناقها

ولم يزل شوقه ينمو ووجده يسمو حتى لزم الوساد، وتوفي على ما ذكر قبل عام الفيل بأربعة أعوام، وكان سبب وفاته على الأصح أنه قصد هنداً وقد تزوجت في نمير وهي قبيلة من عامر، وكان بينهم وبين بني نهد ثارات ودماء كثيرة، فحذره أبوه من ذلك ومناه الاجتماع بها بعكاظ في
الأشهر الحرم حيث تكف الجاهلية عن الحرب. فأبى وخرج سراً حتى أتاها، فرآها جالسة على حوض وزوجها يسقي إبلا ً له، فلما تعارفا شد كل منهما على صاحبه ودنا منه حتى اعتنقا وسقطا إلى الأرض. فجاء زوجها فوجدهما ميتين. وقيل أن عجوزاً دخلت عليه في مرضه فأخبرتهم أنه عاشق وأن يطبخوا له شاة ويرموا قلبها ويقدموها إليه، ففعلوا فجعل يحاولها عضواً عضوا ً فقال أما لشاتكم قلب فقال له أخوه أعاشق أنت ولم تدر، فتأوه ومات. وقيل أنه رأى زوج هند يطوف وعليه ثوب فيه كف كالذي في ثوبه، حين جاذبته هنا ً فمات، وقيل أنه ترنم بهذه الأبيات يوماً ومد بها صوته فمات وهي:

ألا أن هند أصبحت منك محرماً * وأصبحت من أدنى حموتها حما
فأصبحت كالمقمور جفن سلاحه * يقلب بالكفين قوساً وأسهما

وقيل أن هذه الأبيات لمسافر بن عمرو أنشدها حين ولع بهند بنت عتبة وأراد زواجها، فخرج إلى
النعمان بن المنذر بالحيرة ليطلب مهرها، وقيل أنها حملت منه فخرج هارباً، وأصابه من عشقها
مرض كبر معه فاستحضر له النعمان أطباء العرب فأجمعوا على كيه فكوي وبرىء، فقدم أبو سفيان أو هو غيره فسأله عن مكة. فلما انتهى إلى زواج هند شهق فمات، وقيل خرج فمات في الطريق، وقيل هي يعني الأبيات للمغيرة في أسماء النهشلية والصحيح أن أبيات المغيرة هي:

تحدثنا أسماء أن سوف نلتقي * أحاديث طسم إنما كنت حالما
ألا أصبحت أسماء حجراً محرماً * وأصبحت من أدن حموّتها حما

ولابن عجلان أشعار كثيرة من محاسنها قوله:

قد طال شوقي وعاد لي طربي * من ذكر خود كريمة الحسب
غرّاء مثل الهلال صورتها * أو مثل تمثال صورة الذهب

وقوله :

ألا بلغا هنداً سلامي وإن نأت * فنلبي مذ شطت بها الدار مدنف
ولم أر هنداً بعد موقف ساعة * بأنعم من أهل الديار تطوّف
أتت بين أتراب تمايسن إذ مشت * دبيب القطا أوهن منهن ألطف
يباركن مرات خلياً وداده * ذكياً وبالأيدي مدال ومسوف
أشارت إلينا في حياء وراعها * سراة الضحى مني على الحي موقف
وقال تباعد يا ابن عم فإنني * منيت بذي صول يغار ويعنف

وقوله :

خليلي زورا قبل شحط النوى هنداً * ولا تأمنا من دار ذي لطف بعدا
ولا تعجلا لم يدر صاحب حاجة * أغياً يلاقي في التعجل أم رشدا
ومر عليها بارك اللّه فيكما * وإن لم تكن هند لوجهيكما قصدا
وقولا لها ليس الضلال أجازنا * ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا
غداً يكثر الباكون منا ومنكم * وتزداد داري من دياركم بعدا


........................................ يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالأربعاء يوليو 14, 2010 12:13 am

9 - أخبار ذي الرمة وصاحبته مي
هو غيلان بن معدي بن عمرو الكناني القحطاني أو هو سعدي وقيل إبن عقبة بن يهوس ابن ربيعة يتصل من عبد مناف بالياس بن مضر وهو الأصح أديب شاعر رقيق النظام جزل الكلام وافر الحظ من الفصاحة والشعر ورقة المزاج خبير بأحوال العشق والرمة (بالضم وتكسر) قطعة حبل تجعل في عنق البعير ووهب طريف بن غطفان بعير لشخص بالحبل الذي في عنقه فقيل أعطاه برمته فضرب مثلاً لمن يعطي الشيء جميعه ، وسمي بذلك لأنه كان كثيراً ما يجعل
في عنقه أو على عاتقه الحبل أو أنه سمي بذلك لشدة نحوله في العشق. ومي هي بنت طلابة بن قيس بن عاصم الغساني أحد ملوك العرب ووالده قيس نظير المنذر بن ماء السماء كان ذا حظ في الملك تميل إليه العرب ويعطي القياد حتى ضربت به الأمثال، قال طرفة بن العبد بعد اشتكاء سوء حظه: ولو شاء ربي كنت قيس بن عاصم. يعني في ارتفاع الجد وسعة الملك وكان ذو الرمة لطيف المنظر حسن الهيئة طويلاً إلى رقة وبياض واسع الصدر عجل المشية. وكانت مي جارية في القصر و هي سمراء بدينة إلا أن في كلامها عذوبة وفي قدّها تغزل. و أن سبب اعتلاقه بها أنه مر يوماً بالحي وقد أدركه الحر فنظر إلى بيت قد شرع رواقه وارتفعت أطباقه وعلا عموده وأطنابه ومدت أوتاده وأسبابه، فقصده حتى وقف بإزائه، وإذ هو بامرأة تتمشط حاسرة الرأس وقد أسبلت شعرها كأنه عثاكيل النخل، ووجهها يشف من خلاله فناداها هل من اداوة تبرد الغليل، فأبرزت إليه ماء قد شيب بلبن، فشرب ثم ناشدته الراحة، وقدمت إليه طعاماً فأكل ولم تزل تنادمه وهو يعجب بها ويحترق لها قلبه إلى أن انصرف بعد بياض النهر وقد علق من قلبه بحبها الأعج عجز عن إطفائه وغرام كل عن إخفائه فجعل يعاودها الزيارة، فقيل له في تقليل ذلك وأن بلادها بعيدة عن بلاده وأن ذلك يوجب له نصباً ومشقة فأنشد:

وكنت إذا ما جئت مياً أزورها * أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها * إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

وجلس قوم يتحادثون فأفضوا إلى حديث ذي الرمة وفيهم عقبة بن مالك الفزاري وهو يومئذ شيخ قد جاوز المائة فقال مني خذوا خبره , أتاني يوماً، فقال إن حي مية خلوف فهل تسعدني في الزيارة فركبنا حتى أتيناها، فلما نظر النساء إلى ذي الرمه عرفنه فجئن حتى جلسن عنده وتفاوضوا في الحديث فقالت ظريفة من النساء أسمعنا يا ذا الرمة ما قلت فالتفت إلي وقال لي قل فأنشدت قوله:

وقفت على ربع لـ مية ناقتي * فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

فلما انتهيت إلى قوله:

نظرت إلى أظعان مي كأنها * ذرا النخل أو أثل تميل ذوائبه
فأسبلت العينان والقلب كاتم * بمغرورق نمت عليه سواكبه
بكى وامق حال الفراق ولم تخل * حوائلها أسراره ومعاتبه
هو الالف قد حان الفراق ولم تحل * مخاولها أسراره ومقانبه

حتى انتهيت إلى قوله:

وقد حلفت اللّه مية ما الذي * أحدثها إلا الذين أنا كاذبه
إذاً فرماني اللّه من حيث لا أرى * ولا زال في أرضي عدوّ أحاربه

قالت مي ويحك يا ذا الرمة خف عواقب الله عز وجل ثم مضيت حتى انتهيت إلى قوله:

إذا سرحت من حب مي سوارح على القلب أمته جميعاً غواربه

فقالت الظريفة قتلته قتلتك الله، فقالت مية ما أصحه وهنيئاً له قال فتنفس ذو الرمة تنفيسة كاد حرها يذهب بلحيته ثم مضيت حتى انتهت إلى قوله:

إذا نازعتك القول مية أو بدا * لك الوجه منها أو نضى الدرع سالبه
فيا لك من خد أسيل ومنطق * رخيم ومرحوق تعالى شاربه

فقالت مي ماذا تريدين وتضاحكا فقالت الظريفة إن لهذين لشأناً فقم بنا فقمت وجلست بحيث أراهما فتعاتبا طويلاً ولن يبرح من مكانه ولم أسمع منهما غير أن قالت كذبت والله لم أعلم علام كذبته ثم جاءني ومعه قارورة دهن قد اتحفته بها فقال لي شأنك وهي ثم قال وهذا قلائد قد
أعطتنيها فوالله لا قلدتها بعيراً وعقدها في سيفه وانصرفنا، فلما ظعن الحي جاءني فقال امض بنا
نودع الآثار فجئنا حتى وقفنا على أطلال مية فأنشد:

ألا فاسلمي يا دارمي على البلا * ولا زال منها بجرعائك القطر
وإن لم تكوني غير شام بقفرة * تجر بها الأذيال صيفية كدر

وانفضحت عيناه بالعبرة فقلت ماذا بك فقال إني جلد وإن كان مني ما ترى ثم انصرفنا فوالله ما رأيت أشد صبابة ولا أحسن صبراً منه وكان آخر العهد به وله أشعار كثيرة فمن ألطفها القصيدة الحائية التي أولها:

أمنزلتي مي سلام عليكما * على النأي والنأي بودّ وينصح

ومنها:

ذكرتك إذ مرت بنا أم شادن * أمام المطايا تشرئب وتنصح
من المؤلفات الرمل أدماً بحرّة * شعاع الضحى في متنها يتوضح
رأينا كأنا عامدون لصيدها * ضحى فهي تنبو تارة وتزحزح
هي الشبه اعطافاً وجيداً ومقلة * ومية أبهى بعد منها وأملح

ومنها:

على حين راهقت الثلاثين وارعوت * لذاتي فكد الحلم بالجهل يرجح
إذا خطرت من ذكر مية خطرة * على القلب كادت في فؤادي تجرح
تصرف أهوى القلب مني ولا أرى * نصيبك من قلبي لغيرك يمنح
فبعض الهوى بالهجر يمحي فينمحي * وحبك عندي يستجد ويرجح
ولما شكوت الحب كيما تثيبني * بوجدي قالت إنما أنت تمزح
بعاداً وادلالاً علي وقد رأت * ضمير الهوى قد كاد بالجسم يبرح
لئن كانت الدنيا عليّ كما أرى * تباريح من ذكراك فالموت أروح

وقال :

خليلي عدا حاجتي من هواكما * ومن ذا يواسي النفس إلا خليلها
ألما بمي قبل أن تطرح النوى * بنا مطرحاً أو قبل بين يزيلها
وإن لم يكن إلا تعلل ساعة * قليلاً فإني نافع لي قليلها

وله :

خليلي عوجا من صدور الرواحل بمجهود حزوي فابكيا في المنازل
لعل انحدار الدمع يعقب راحة من الوجد أو يشفي وحيّ البلابل

وله :

ولما تلاقينا جرت من عيوننا * دموع كففنا غربها بالأصابع
ونلنا سقاطاً من حديث كأنه * جنى النحل ممزوجاً بماء الوقائع

وله:

إذا هبت الأرياح من نحو جانب * به آل مي زاد قلبي هبوبها
هوى تذرف العينان منه وإنما * هوى كل نفس أين حل حبيبها

......................................................... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو شامل
عضو مجتهد
عضو مجتهد
ابو شامل


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 278
مكآنيَ » : www.trbastone.com
نقآطيَ » : 76849
تآريخ التسجيــل : 08/06/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالخميس يوليو 15, 2010 2:55 am

الله يعطيك العافية استاذ نمر بضم صوتي لنزار
حبة حبة وبالهداوة يا استاذ
خلينا نقدر نتابع باقي المواضيع
مشكورررررررررررر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالسبت يوليو 17, 2010 3:43 pm

حياك الله أبو شامل
شكرا ً على اهتمامك بهذا الموضوع
شكرا ً لزيارتك

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالسبت يوليو 17, 2010 3:45 pm

10 - أخبار مالك وصاحبته جنوب
هو مالك بن الحرث بن الصمصامة بن أخرش الجعدي من بني أخرش أخو ذي الرمة قال في
الأنساب هم أكبر فخذ من قحطان ولم يعقب أخو ذي الرمة غيره وغير مسعود وهمام وهم قبائل
معروفة. وكان مالك شجاعاً جلداً نجدة ولكنه مات بالعشق على نحو ثمان وعشرين من عمره.
وجنوب هي بنت قيس بن أصبغ بن محصن بن أخرش الجعدي، علقها شابين وسبب ذلك أنه جاء
يوماً إلى أخيها الأصبغ يسترفقه إلى حي من كنانة لحاجة عرضت لمالك عندهم لما بينهم من الصحبة والقرابة فرأى جنوب وقد ألقت ما عليها خلاسب أخضر شفاف فرآها على بغتة فوقعت من قلبه فعاد وقد تمكن حبها منه فأفضى بذلك إلى رجل من أصحابه فوشى به إلى أخيها، وكان معروفاً بالشجاعة فحلف ليقتلنه إن تيقن ذلك , فضمهما يوماً مجلس وقد قبلت جنوب فلم يستطع أن يكلمها وأخذته رعدة , فضمه شخص إلى صدره، وفطن الأصبغ فقام خجلاً وبقي مالك مغشياً عليه، فلما أفاق أنشد:

خليلي إن حانت وفاتي فادفنا - برابية بين المقابر فالنفر
لكيما تقول العبدلية كلما - رأت جدثي سقيت يا قبر من قبر

تجمع العرب مرة للسقاية من ماء قريبة , فوقف مالك يتصفح الظعن متخفياً حتى مرت
جنوب فأخذ بطام بعيرها وأنشد:

رأيتك إن أزمعتم اليوم نية - وغالك مصطاف الحمى ومرابعه
أترعين ما استودعت أم أنت كالذي - إذا ما نأى هانت عليه ودائعه

فبكت ثم قالت أرعى والله ولا تهون عندي ودائعه فأطلقها ومضى في نشيده يقول:

ألا إن ورداً دونه قلة الحمى مني النفس لو كانت تنال شرائعه
فلا أنا فيما صدني عنه طامع ولا ارتجى وصل الذي هو قاطعه
وكيف ومن دون الورد عوائق وأجنح حال ما أحب ومانعه

ثم انصرف فبات ليلة قلقاً، فلما أصبح ركب وضرب الفضاء لينزه نفسه فبينما هو على ماء يستريح إذ سمع شخصاً يشتكي إلى شخص ثقل رأسة وقلة سمعه فقال له منذ كم أصابك قال من أمس، فقال هذا من الهواء الذي كان بارحة أمس فإنه جنوب وهواء الجنوب ضار.
فلما طرق الكلام رأسه قال أي والله ولا أضر من هواها أجد وسقط كالمصروع فجاؤوا إليه
واحتملوه بعد أن قارب الفراق، ثم مضوا به إلى الحي فقام ليلتين ثم قضى .
و في رواية أخرى دعوا له طبيباً فلما أبصره أنكر حاله فدعا بشراب وسقاه، فلما تمكن منه أنشد:

خليلي إن العبدلية أزمعت - على الصد والهجران فاستدينا عنسي
فلا صبر لي بعد الفراق على الجفا - ولا راحة إلا التوسد في رمسي
فصبر محب عن حبيب يحبه - نحال وهل جسم يعيش بلا نفس

ثم شهق شهقة أخرجت نفسه .
وفي لطائف الفوائد وظرائف الشوارد لابن عبد ربه، أن مالكاً هذا لما قضى اتصل نعيه بجنوب وقد قدم إليها لبن، فلما امتصته ووقع الكلام في أذنها اضطربت خفيفاً، ثم اضطجعت فإذا هي ميتة.


................................................................. يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 20, 2010 12:20 am

11 - أخبار عبد الله بن علقمة وصاحبته حبيش
هو عبد الله بن علقمة بن زرارة من قحطان. وصاحبته حبيش بنت سعد بن أسلم من خريمة قبيلة من اليمن، أن سبب اعتلاقه بها أنه أضاف أهلها، فأجلسوه في متحدث لهم، فخرجت حبيش
وعلى وجهها سب أخضر فوقفت تحلب ناقة وهو ينظر، فضرب الهواء السب فكشف وجهها ويديها , وكانت طويلة إلى الرقة واسعة الصدر كان وجهها البدر، فلما عاينها غاب عن حسه ساعة ثم عاوده الشعور فسكت خيفة أن يظهروا على حالة، ثم جاءت إليه باللبن ليشرب، فلما تناوله ارتعد حتى سقط من يده ففطنت لما به، وكان شاباً كأن القمر فداخلها ما داخله ولم يكونا متقاربين في المنزل لأنهما من فخذين فافترقا على ما داخلهما من الهوى. و مرة أرسل أمه بهدية إليها وتبعها وأقاما عندها فلم يزل كذلك يذهب مع أمه ويعود إليها أياماً، وكان في أوائل الهجرة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى جذيمة وعليهم خالد بن الوليد فصادفوا العرب ظاعنين، ورأوا عبد الله وراء القوم يسوق قلوصاً له، فأمسكوه وعرضوا عليه الاسلام فقال وما هو، فقالوا كذا وكذا. فقال أرأيتم إن أنا لم أسلم فما أنتم صانعون قالوا نضرب عنقك. فقال هل ألكم أن تتركوني أمضي إلى الظعن. قالوا بلى ونحن في أثرك. فمضى يتصفح الهوادج حتى وقف على هودج حبيش، فناداها أسلمي، فقد نفد العيش ثم أنشد:

أريتك إن طالبتكم فوجدتكم - ببرزة أو أدركتم بالخوانق
أما كان حقاً أن ينوّل عاشق - تكلف ادلاج السرى والودائق
فلا ذنب لي قد قلت أنا هنا معاً - أثيبي بود قبل أخذ الصفائق
أثيبي بود قبل أن يشحط النوى - وتنأى الليالي بالحبيب المفارق
فإني لا سر لدي أضعته - ولا راق عيني بعد وجهك رائق
على أن ما ناب العشيرة شاغل - ولا ذكر إلا أن يكون توامق
فها أنا ما سور لديك مكبل - وما أن رآني بعدها اليوم ناطق

فأجابته:

أرى لك أسباباً أظنك مخرجاً - بها النفس من جنبي والروح زاهق

فأجابها:

فإن يقتلوني يا حبشي فلم يدع - هواك لهم مني سوى غلة الصدر
فأنت التي قفلت جلدي على دمي - وعظمي وأسبلت الدموع على النحر

فأجابته:

ونحن بكينا من فراقك مرة - وأخرى وقاسينا لك العسر باليسر
فأنت ولا تبعد فنعم أخو الندى - جميل المحيا في المروأة والبشر
ثم ضربه غلام فأطار عنقه , وأنها نزلت حين رأت ذلك فقبلته وشهقت شهقة أو شهقتين فماتت.
ولما أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال أما كان فيكم رجل رحيم.

و قيل عندما فشا أمرحبه مع حبيش قالوا لأمه إن ولدك قد تولع بهذه وليست من حيكم فاعرضي عليه نساءكم لعله يشتغل بواحدة منهن عنها، ففعلت فقيل له ما ترى فيهن قال حسناً وجمالاً، فقيل أيما أحسن هن أم حبيش فتنفس الصعداء ثم قال ماء ولا كصداء، ومرعى ولا كالسعدان
فمضى مثلاً في العرب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nemer
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
مشرف قسم موسوعة جبل العرب
nemer


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 1448
نقآطيَ » : 78590
تآريخ التسجيــل : 19/05/2010

قصص ولطائف الأقدمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصص ولطائف الأقدمين   قصص ولطائف الأقدمين Icon_minitimeالأربعاء يوليو 21, 2010 5:21 pm

12 - أخبار نصيب وصاحبته زينب
هو ابن محجن نصيب بضم النون وفتح الصاد المهملة الشهير بالشاعر الزنجي مولى راشد ابن عبد العزى من كنانة.
وصاحبته أم بكر زينب بنت صفوان بن غاوي كنانية في الأصح وليست زنجية كما زعم وسبب
الوصلة بينهما. أن نصيباً كان يرعى ابلاً لمولاه وكانت رعاة مولاه تخالط رعاة صفوان، في المبروك بوادي البوار، وكانت زينب تأتي رعاة أبيها فتأخذ لبناً، وأن نصيباً تولع ببري القسي و السهام وحجز الأوتار فبرع في ذلك حتى اشتهر في أحياء العرب، وكان يجلس لفعل ذلك وتذهب الرعاة فتقوم عنه بالخدمة وتتخلف الحلوب من النوق في المعاطن فتأتي زينب وهي جارية صغيرة فتأخذ اللبن، فينظرها وكان حاذقاً حسن التأمل في دقائق المحاسن ولطائف الشمائل، وهي من ذلك في أرفع المراتب، فنشأ عنده من حبها ما غير باله، وأشغل حاله فشبب بها وفشا ذلك فأتت العرب مولاه فقالت إن عبدك هذا قد برع في الشعر، ونخشى أن يهجو أحدنا ويشبب بنسائنا، وليس لنا في أحد الحالتين سيرة، فقال له مولاه إني بائعك فانظر لنفسك، فأقبل حتى دخل على الأمير وهو يومئذ عبد العزيز بن مروان فأنشد:

لعبد العزيز على عترته - وغيرهم منن ظاهره
فبابك أسهل أبوابهم - ودارك مأهولة عامره
وكلبك أرأف بالزائرين - من الأم بالابنة الزائره
وكفك حين تري السائلين - لأثرى من الليلة الماطره
فمنك العطاء ومنا الثناء - بكل محبرة سائره

فأمر له بألف دينار. فقال أصلحك الله إني عبد لا آخذ الجوائز ولكن أباع فقال لخادمه امض به إلى باب الجامع فإذا انتهت الرغبات فيه فأخبرني فمضى فلما نودي عليه بذل فيه شخص خمسين ديناراً فقال نصيب قولوا يحسن كذا وجعل يعدد صنائعه وهو يوفي بها حتى انتهى إلى ألف دينار.
فأخذه الأمير فكان في خدمته إلى أن توفي فأوصى به سليمان بعد أن أعتقه على ما ذكر بعض
المعتنين بذكر محاسن الحبش والزنج، فكان من أكبر سماره وكان يلهج بالعشق وقال ابن فاتك في محاسن العبيد. أن سليمان استخفى ليلة فسمع نصيباً وقد استخلي بنفسه يبكي ويقول متمثلاً بكلام المجنون ( قضاها لغيري ) البيت فاستحضره فقال ما هذه التي قضاها لغيرك وابتلاك بحبها أو عاشق أنت. قال أي والله جعلت فداك من العشق فقال ولمن قال لجارية في كنانة علقتها فمنعت منها القلة حسبي وحقارة نسبي عند العرب فكنت أجلس في ممرها لأخالسها النظر وفي ذلك أقول:

جلست لها كيما تمرّ لعلني - أخالسها التسليم إن لم تسلم
فلما رأتني والوشاة تحذرت - مدامعها خوفاً ولم تتكلم
مساكين أهل العشق ما كنت أشتري - حياة جميع العاشقين بدرهم

فوعده سليمان بتزويجها. ففي النزهة ومحاسن العبيد لابن فاتك أنه زوجه بها وأقام معها وأنها
توفيت عنده في خلافة سليمان. وقيل أنه تزوج بها على يد اليزيد بن الوليد وما ذكره هنا من أن يزيد استخبره عن عشقه فقال نعم عشقت جارية حمراء يعني من البيض ومنعت منها مدة فلما توفي من كان يمنعها كتبت إليها:

فإن أك حالكاً فالمسك لوني - وما لسواد جلدي من دواء
وبي كرم عن الفحشاء ناء - كبعد الأرض عن جوّ السماء
ومثلي في رجالكم قليل - ومثلي لا يردّ عن النساء
فإن ترضى فردّى قول راض - وإن تأبى فنحن على السواء

فقالت المال والعقل يغطيان غيرهما لو تزوجتني يدل على أن ليس ليزيد في تزويجها شيء. وقيل
أنه تزوجها على يد ابن أبي عتيق. وفي تسريح النواظر أنه لم يتزوجها وأنها اعتذرت حين أرسل
إليها بأن العرب تعيرها بزواج الزنجي والمتواتر خلاف ذلك أخبر التنوخي والتوزي كلاهما عن ابن الجزار بسنده إلى العتبي. قال شهدت هوادج مزينة حين نزلنا إلى مكة، فلما نزل الحاج خرج من أعظمها هودجاً امرأة وقد مهد له مهاد فجلست وأقبل زنجي حتى جلس إلى جانبها فمر سائق ابل وهو يقول:

بزينب ألمم قبل أن يدخل الركب - وقل إن تملينا فما ملك القلب

فوثبت المرأة فضربت الذي إلى جانبها وقالت قد فضحتنا فسألنا عنهما فقيل هي زينب وهو نصيب
هذا عن الزبير عن الخزامي وعن ابن خلف وابن الجوهري في أخبار السودان وكل يصف
المرأة بالبياض ما عدا الأول فإنه قال إنها زنجية.
وعن ابن خلف من طريق آخر بيننا نحن في الركب إذا بزنجي يمشي وإلى جانبه امرأة كأنها البدر والمسك يسطع منهما فقالت له من أنت قال أنا الذي أقول:

ألا ليت شعري ما الذي هو حادث - غدا غربة النأي المفرّق والبعد
لدى أم بكر حين يقذفها النوى - بنا ثم يخلو الكاشحون بها بعدي
أتصر مني عند الذين هم العدا - فتشمتهم بي أم تدوم على العهد

فصاحت المرأة لا والله بل ندوم على العهد، وتوفي نصيب سنة ثلاث عشرة ومائة وقيل إحدى
عشر. وفي كتاب ابن الجوهري كانت وفاته تاسع شوال من السنة المذكورة، وقيل توفيت قبله ورؤي باكياً عليها وهو يقول:

أيا دهر ما هذا لنا منك مرة - عثرت فأقصيت الحبيب المحببا
وأبدلتني من لا أحب دنوّه - وأسقيتني صاباً من العذب مشربا

ومن لطائف شعره:

كسيت ولم أملك سواداً وتحته - قميص من الصوهيّ بيض بنائقه
وما ضرّ أثوابي سواد وإنني - لكالمسك لا يخلو عن المسك ناشقه
ولا خير في ودّ أمري متكاره - عليك ولا في صاحب لا توافقه
إذا المرء لم يبذل من الود مثله - بعافية فاعلم بأني مفارقه

ومنها:

وما في الأرض أشقى من محب - وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكياً أبداً حزيناً - مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي أن نأوا شوقاً إليهم - ويبكي إن دنوا خوف الفراق
فتسخن عينه عند التنائي - وتسخن عينه عند التلاقي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصص ولطائف الأقدمين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جبـل العرب :: 
المنتديات الأدبية
 :: الشعر والخواطر المنقولة
-
انتقل الى: