قمة القليب

هذه القصيدة مهداة لقمة تل القليب الشامخة التي كانت ولم تزل رمزاً في تاريخ جبل العرب الأشم والتي كانت النار توقد عليها لتشير للفرسان أن الخطر محدق وأن القتال قريب فكانت ( شيفرة ) للفزعة والنخوة ولم الشمل وهذه العادة موجودة منذ القدم عند أكثر شعوب العالم .. واذكر أنني كنت ألقي هذه القصيدة في إحدى مقاعد جبل العرب فقال العم الشاعر أبو نزار محمد شجاع معقباً على القصيدة : (( أن الأديب الكبير رسول حمزتوف قال : إن المكان الطبيعي للنار في المدفأة والمكان الطبيعي للرجل في بيته ومكان السيف في الغمد , ولكن إذا ارتفعت النار , فويلٌ للرجل الذي يبقى في بيته وويلٌ للسيف الذي يبقى في غمده .... ))
ومن خلال هذه القصيدة أتمنى أن تعقد قمة عربية مثل قمة القليب , لا تدعو إليها سوى النار ولا حل ينتج عنها سوى : ما أُخذ بالقوة لا يُرد إلا بالقوة .......

مابـِنــْت مار اللي عن الشوق ينحاك ... وَذم الـقــدر يــا جمرة الطود يا قليب *1

يْشـيـب الدهر ما شـــيـّبك لــو تعدّاك ... بَـــسّ الغمايم تــِلبْسَك زهــوة الشيب

لا زال بالخـافـوق ضيٍّ مـن سْـــناك ... ما طــول بالربعات عز ٍ عـلى طيب

لا زال خشمَـك ينطـح الغيم وافــلاك ... ثومـن رْواقه عـــالحضر والمطانيب*2

لا زال سَـفـْحك هقوة الغـوش بحْماك ... يشـــظي من جْداح الســنابك لواهيب *3

قـرّت عيون الخيل مــار انت عـيناك ... تكحِـل بْسَــمّ الموت هَـدْبَ المحاديب *4

صْـقور الوغـى مكناعها فــوق يمناك ... وكم صدّرت يســراك ذيبٍ ولد ذيب *5

بْســـوق المنايــا بايعوا ارواح فـدواك ... ســيّان نــارك والرَّبع والمشــاهـيب

صدّوا العداوة , من طــوابير الاتراك ... واللي غزاهم من شـْـــناق الـدغاليب *6

بلطات من رزم السحايب على اعداك ... صبّت عــلى هـــامـاتــهم والدواليب

كـم من قـروم ٍ مـزعــوهــا بالاحـناك ... وحياض بَـقـْعا ســــدّروها مشـاريب*7

يا قـليب ما نرخص مـن الدار مدماك ... لا والـــذي صــــاغ القدر بالمذاريب

خصّك المولى من صفا النار ســوّاك ... وْسمــّاك من لبّ الحَشــا عَـنوة قـْليب*8

ما هِـيْ غـريبة بْهامــة المجد ذكـراك ... ضــوح اشـعقانه ما به الشك والريب *9

حَوق الكـَفر والعَود ساسـك ومشحاك ... كيفٍ تصــلـّي قـِبلتك ما بهــا العــيب*10

حاشــــاك يا شوق المناعير حاشــاك ... تـنذلّ والا هقـوتــك عــالمدى تـْخـيب *11

مــا زالـت اللـبوات تـلبــي ســـراياك ... وتفطم على عشق الوطن والمحاريب

واللي بْـخِبـْرَك جندلوا الضــد بعْراك ... ما شــيّــلوا بْسلمى عـلى فـُطـّر النيب*12

أحفادهم عــادوا على طـيب مشــهاك ... ما يْشوبهم خـطوَ الخمَـل والعـذاريب

وْلا راعهــم بـوش ومـواريث بـاراك ... يا قـليب لو صبّــوا لظــاهم مزاريب *13

مـــار انت يا رب القمم لا نـفخ فــاك ... ازفــر لهَـب مـــا للــقمم بعدكم هيب

اقعِـد قـبور ٍ تــرجـف بْـطيّـــة ثـْراك ... وابشـــر بربعك سُــبّــقك والمخاليب

من قمّـتـك للقدس نحــدي بْســـجاياك ... حـمر ٍ بيـــارقــنا وْحمر ٍ محـــاديب

مقلاع وابشر من ذرى اشبيح جيناك ... روس العــدا غـــايــــاتنا والمطاليب

ما يندرك حق ٍ بلا سـلاح فتـّاك ... وْما تندرك خيلٍ تحت مُرّد وشِـيب *14

بعض الشروحات :

*1 ـ ما بنت : البين : البعد والجفاء وما بنت : ما جافيت وابتعدت , وذم : مصدرها الوذمة وهي داء معروف يغيّر ملامح صاحبه

*2 ـ ثومن : مصدرها بيت الشَعر المثومن وهو الذي يحتوي على ثمانية رواقات والرواق هو بمثابة الجدار للبيت وهو بيت الشيوخ وعندما تقول : ثومن فالقصد انه أظلّ برواقاته الثمانية ...

*3 ـ الغوش : الأولاد الصغار والفكرة هنا أنه حتى الأولاد الصغار في الجبل يحمون الحما ويدافعون عن ذمارهم , جداح السنابك : جداح أصلها قداح وهي شرارة النار , السنابك : حوافر الخيل والجملة مجازية تعني الشرار المتطاير من حوافر الخيل في المعركة

*4 ـ مار : تعني ماغير وتفيد معنى (ولكن) , والصورة في البيت تشير أن العيون الساهرة التي هي دلالة عن حماة الجبل هي سيوف بحد ذاتها وفي أشفار هذه السيوف يكمن الموت الزعاف

*5 ـ مكناعها : المكناع في عُرف العامة هو بيت الصقر والذئب بشكل عام ولكن المعنى الفصيح الأكثر دلالة للكلمة هو كنـَعَ , وكنعَ الصقر أي ضمّ جناحيه متأهباً للإنقضاض

*6 ـ شناق : عامية تعني حدود المكان , الدغاليب : أمواج البحر , والفكرة تشير للإستعمار الفرنسي الذي جاء من البحر

*7 ـ قروم : مفردها قـَرْم وهو السيد في قومه , مزعوها بالاحناك : إشارة للقائد البطل سلطان باشا الأطرش الذي قاتل حتى بأسنانه أثناء معركة تل الحديد المشهورة في الثورة الأولى عام 1922 ولقبته الصحافة الفرنسية والعربية آنذاك بـ ( عنتر أبو سنان )

*8 ـ من صفا النار سوّاك : إشارة إلى أن تل القليب صخرة بركانية

*9 ـ اشعقانه : مصدرها شعَق أي برَق ولمع

*10 ـ حوق الكفر والعود : إشارة إلى أن تل القليب يطل على أرض معركة الكفر التي هي فاتحة معارك الثورة السورية الكبرى ويطل على بلدة القريا التي يرقد فيها جثمان سلطان باشا والعَود : الرجل كبير السن وذو الخبرة

*11 ـ المناعير : عامية تعني الرجال والفرسان الأشداء

*12 ـ سلمى : من أسماء الموت , الفطـّر النيب : النياق التي فطرت أنيابها أي أصبحت بكامل فتوّتها والبيت يشير إلى أن ذاك الرعيل المجاهد الذي خبـِرناه في تاريخ الجبل لم يرحل رغم الموت ...

*13 ـ إشارة للإستعمار الجديد المتمثل بأمريكا واسرائيل

*14 ـ المُرّد : الفتيان , والفتى الأمرد هو الفتى الذي لمّا يخط شاربه بعد , والشيب : بتشديد وكسر الشين تعني الشيّاب ...

لك الفضل دائماً عم أبو مازن
تمر على القصيدة كالعطر الخالد
وتترك بها بريقاً خاصاً ....

الشكر الجزيل للصديق الحبيب أبو اسعد
شهادتك أعتز بها ولها مكانة خاصة في القلب
ولكن يا أخي (( بسوّ حظي )) أن تكون قصيدتي مثل قصائد المرحوم أبو سلام
أعرف عمق رأيك وجوهره الصافي وهذا نيشان أعلقه على صدري
... من بعدك يا الغالي

أخي جلال :
أفضلت والله ... والجملة النبيلة التي تفضلت بها تدل على الجوهر الكريم الذي تحمله في داخلك
لكم كل المحبة
وأقول دائماً من قلبي :
مروركم على القصيدة هو القصيدة