جبـل العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


نلتقي لنرتقي ،، !!
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 لماذا عشتاروت؟/عدي شتات

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
القرنفال الأحمر
الادارة العامة
الادارة العامة
القرنفال الأحمر


جنسيَ » : انثى
مشآرگاتيَ » : 11342
نقآطيَ » : 102725
تآريخ التسجيــل : 06/05/2008

لماذا عشتاروت؟/عدي شتات  Empty
مُساهمةموضوع: لماذا عشتاروت؟/عدي شتات    لماذا عشتاروت؟/عدي شتات  Icon_minitimeالخميس يوليو 29, 2010 9:27 pm

لماذا عشتاروت؟/عدي شتات  Icon1 لماذا عشتاروت؟/عدي شتات




حين كتبت أولى قصائد "ديوان أصابع عشتاروت", كان السؤال الوحيد الذي يطرح عليّ هو: "لماذا عشتاروت؟".
ومع تكرر التجربة, وميلاد ديوان آخر يحمل عنوان: "خرائط عشتاروت" وجدت أن الجواب عن السؤال بات أمرا لا مفر منه.
وحين عرض علي طباعة هذا الديوان, جالست نفسي, وحاولت أن أنبش في اللاشعور بحثا عن إجابة دقيقة, أفتتح بها الديوان المثقل بالرموز الأركولوجية والميتولوجية.
فكتبت تحت عنوان "لماذا عشتاروت؟":


لم أكن أتصور في يوم من الأيام بأنّ الحرف سيأخذني إلى عام الأسطورة, لعدة أسباب أهمها امتعاظي من الأعمال الكثيرة التي تناولت هذا الموروث . لكن, وبعد أن فرضت تجربة "عشتاروت" نفسها عليّ, عرفت سرّ نفوري من التناول الشعري للأسطورة. وأدركت أن الاقتباس وفي بعض الأحيان الإقحام القسري هما المنفران الأساسيان لي .
لماذا عشتاروت لا أدري؟ ولكن الأكيد أن ارتباطها بالأرض العربية , وبسواحل بلاد الشام والمغرب العربي ألقى بظلاله الثقيلة على اللاشعور. ولعل الفترة الزمنية البائسة التي أنجبت " أصابع عشتاروت " عامل مهم. ففي صيف عام 1998م كانت البداية , وكانت الثمرة التي نضجت بعد
عامين من القراءة التاريخية والأسطورية والدينية المكثفة. والمتعامل مع التاريخ لابد أن يختزن الكثير من دروسه وعبره.
" أصابع عشتاروت " محاولة لتصحيح مجرى الأسطورة التي نشأت في العالم "القديم" وشابها ما شابها من تحريف وتناقض.
وهو تهجد في معابد التاريخ والحضارة العربية.
والدارس للأسطورة ( وهي المليئة بالخرافات ) يستطيع أن يرى وجوها للحقيقة فيها. ويخطئ من يظن أن مجرد إطلاق اسم " أسطورة " على قصة ما يعني بالضرورة غيابا مطلقا للحقيقة.
إنني أرى في الكثير من الأساطير العربية سواء كانت كنعانية أو فينيقية أو بابلية ..إلخ مادة مهمة لإعادة كتابة تاريخ الأمة, ولإعادة قراءة الحضارات القديمة, ولست مغاليا إن قلت أن حضارات بلاد الشام والعراق والطاسيلي واليمن ومصر والجزيرة العربية أجدر بالبحث والتأمل من الحضارات الأخرى وكالإغريقية والرومانية.
إن المطلع على بعض أسرار " رأس الشمرة" و " بيبلوس " و " الطاسيلي " ومعبد الشمس" وكنوز بلاد الرافدين لابد وأن يصاب بالصدمة. لماذا الصدمة ؟
لأن أعظم ما نسب للإغرق من أمجاد وإنجازات كانت من صنع علماء ومفكري وفلاسفة هذه المناطق العابقة بالحضارة والتاريخ .
ألا يستحق فلاسفة أوغاريت أن نعيد لهم ولو نزرا قليلا من حقوقهم ؟ وكيف نذكر أرسطو العظيم دون أن نذكر مرافقته للإسكندر المقدوني , واغترافه من كنوز الشرق وبالأخص من فلسفة أوغاريت ؟ وكيف نمجّد أفلاطون المعلم دون أن نذكر اعتكافه في معبد الشمس في مصر , ونهله من علومه ؟

إن عشرية خانقة كعشرية التسعينات والتي حملت نزيفا قاتلا للجزائر , وتمزقا للعديد من الدول العربية وعلى رأسها الصومال, وضياعا مؤلما لقضية الأمة المركزية في غياهب المساومات والتنازلات , وحصارا جائرا لقلب العروبة النابض بغداد , والأهم من كل هذا انتصار الإمبريالية الأمريكية على كل الطروحات الحضارية والأيديولوجية في العالم, وزحف العولمة المتوحشة أو لكي نكون أكثر دقة: "الأمركة" نحونا؛ مهد الطريق لـ " أصابع عشتاروت " فجاءت وكأنها صرخة رفض وتمرد من عمق تاريخنا وحضاراتنا على كل محاولة لتسطيح فكر الأمة وإجهاض مقوماتها الحضارية والإنسانية .

" أصابع عشتاروت " يحاول أن يبعد الموس عن رقابنا , ويجاهد اليأس الذي استفرد فينا منذ ضياع فلسطين .

لقد قدر الله عز وجل أن تشهد هذه الدفقة الشعورية حدثين مشرقين سيطبعان مستقبل الأمة , ويعيدان لها الثقة في الغد , والرغبة في الحياة والمقاومة ألا : وهما انتصار الجنوب اللبناني, وثورة التحرير بإذن الله على أرض الإسراء والمعراج .
فبعد كل هذا ألا يحق لنا أن نرتب أوراق التاريخ ونحن على عتبة انبعاث جديد للأمة ؟
عدي إسماعيل شتات


ورغم هذا المدخل غير الشعري للدوان, بقي السؤال يلازمني كظلي. حتى أنني بت أتجنب هذه التجربة الشعرية في لقاءاتي الهامة والخاصة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر, سألني الناقد والأديب الكبير الدكتور محمد الصالح خرفي هذا السؤال في حواره المطول معي. والذي يدخل في إطار مشروعه الكبير/المتجدد: "هكذا تكلم الشعراء والذي صدر في سلسلة من أجزاء ولا يزال الباب مفتوحا لأجزاء أخرى:
لماذا عشتاروت؟/عدي شتات  5_curلماذا عشتاروت؟/عدي شتات  5_cul
("أصابع عشتاروت"،"خرائط عشتاروت"، عنوانين لديوانين مختلفين مختلفة،شكلت "عشتاروت" فيهما القاسم المشترك، و هو تفرد ملفت-فيما أعلم-،و قد قُمْتَ بشرح الأسباب و الدواعي التي جعلتك تتخذ من عشتاروت –إلهة الخصب عند الفينيقيين-رمزا شعريا و محورا للكتابة الشعرية في مقدمة ديوانك"أصابع عشتاروت"و أعطيت إضاءات مهمة للقارئ حتى يلج ليل النص الشعري و هو حامل للمصباح، لكي لا يتيه و لا يتعثر :
-"…أصابع عشتاروت محاولة لتصحيح مجرى الأسطورة التي نشأت في العالم القديم و شابها ما شابها من تحريف و تناقض ،و هو تهجد في معابد التاريخ و الحضارة العربيين..إنني أرى في الكثير من الأساطير العربية مادة مهمة …لاعادة كتابة تاريخ الأمة، و لاعادة قراءة الحضارات القديمة."
-"أصابع عشتاروت جاءت و كأنها صرخة رفض و تمرد من عمق تاريخنا و حضارتنا على كل محاولة لتسطيح فكر الأمة و إجهاض مقوماتها الحضارية و الإنسانية…أصابع عشتاروت يحاول أن يبعد الموس عن رقابنا، و يغالب اليأس الذي استفحل فينا منذ ضياع فلسطين."
كان من المفروض العودة إلى الرموز الإسلامية و العربية القريبة لا البعيدة ، حتى يتيسر فهمها من طرف القراء ،-حتى نستغني عن الشرح و التفسير و إثقال الديوان بما هو خارج عنه- وهي كثيرة و متنوعة ، على عكس ما ذهبت إليه ،هل هذه العودة كانت كرد فعل على الشعراء الذين عادوا إلى الأساطير الغربية و الأوروبية و انفصلوا عن تاريخهم ، أم أن الأمر لا يعدو إلا أن يكون تشبث بذاكرة المكان –الشامي-الذي تسكن فيه الأم عشتاروت؟؟)
لماذا عشتاروت؟/عدي شتات  5_cdrلماذا عشتاروت؟/عدي شتات  5_cdl
وكما ترون, لقد اقترن السؤال الجديد/القديم, بانتقاد للمقدمة النثرية, والإضاءة التي استهللت بها الديوان, والتي من خلالها عرفت بالرموز والأمكنة التي وردت في الديوان.
فكان ردي:

-الحديث عن عشتاروت يطول.. ويطول. فهذا الرمز الذي صاحب تجربة أعتبرها الأهم في حياتي الأدبية, لا يُعبِر عن شيء واحد كما دَرَج عند الكثير من الشعراء, وإنما يُعبر عن أشياء.. وأشياء. ومن المهم أن أؤكد بأن "عشتاروت" ليست رمزا دينيا في شعري على الإطلاق. وليست الأنثى التي تستثير مشاعر الذكورة عند الرجل. (والقارئ لديوان أصابع عشتاروت يستطيع أن يتلمّس هذا بسهولة).
لكنها رمز للملكة الحكيمة التي استمدّت بريقها من بلقيس وزنوبيا وذات الهمة.. وهي الأم التي غالباً ما تسيطر على جموع مشاعرها من أجل مصلحة أبنائها, فهي تحبهم حتى النخاع ولكنها تخاف عليهم من هذا الحب الجارف, ومن الدلال الذي طالما أفسد الأبناء. فنراها في كل مرة تنحاز إلى الحزم وبعض القسوة.. وهي الأرض التي لا تكفّ عن العطاء, فجدبها خير, وخصبها خيرات. مثلها "كمثل جنّةٍ برَبْوةٍ أصابها وابِلٌ فآتتْ أُكُلها ضعفين فإن لم يصبها وابِلٌ فطلّ" - سورة البقرة: آية265-
وهي الاسم الذي يختزن الحضارة العربية بعمقها التاريخيّ, وانفتاحها على العالم, وامتدادها الجغرافيّ إلى ما وراء المتوسط.
فعشتاروت يا صديقي تعني لي أوغاريت(اللاذقيّة) التاريخ والأبجديّة والأم الحبيبة التي حرمتني الظروف من التعبّد في محرابها والسفر في وجهها الملائكيّ.. وهي صور وصيدا وأسطورة الصمود والمقاومة والانتصار في جنوب لبنان.. وهي حيفا وكرملها وعكا والجولان السليب.. عشتاروت اسم يختصر الجرح الشاميّ, والصوت الذي يصرخ في وجه أعداء الأمة على لسان شاعر العرب نزار قباني:


doPoem(0)


نحن أصل الأشياء.. لا (فورد) باقٍ
فـوق إيـوانـه ولا (رابـيـنُ)
نحن عكا.. ونحـن كرمـل حيفـا
وجبـال الجليـل.. واللـطـرونُ
كـلّ ليمونـة ستنجـب طـفـلاً
ومحـال أن ينتـهـي الليـمـونُ


وهي الرابط الحضاريّ والجغرافيّ بين جذريَ الشاميّ الفلسطيني, وفرعيَ الجزائري المغاربيّ, بين صور وصيدا وحيفا وإرواد واللاذقيّة وجبيل من جهة, وقرطاج والقل وجيجل ووهران من جهة أخرى.

أمّا لماذا عشتاروت, فقد أجبت في مقدمة ديوان "أصابع عشتاروت" عن هذا السؤال: إن العودة إلى عصرٍ سبق الإسلام بقرون لم يأت اعتباطاً. فالحقبة الزمنية التي أنجبت هذه التجربة كانت بالغة الصعوبة.
حيث أن القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية ضاعت في أقبية التنازلات والاستسلام. وأصبح الخائن شريفا والشريف خائنا.. الحرّ في السجن, والعبد سيداً مهاباً, تفرش له السجاجيد الحمر, وتحتضنه كبريات العواصم العالمية. لقد أصبحت درّة الأرض فلسطين لا تعدو أن تكون حفنة من الدولارات والمراسيم الخادعة, ومسلسل طويل/سمج من المفاوضات واللقاءات, والمشاريع الرامية لتصفية الحق, وتكريس الأمر الواقع الذي فرض قسراً على هذا الشعب المجاهد. وليس غريبا بعد هذا كله, أن تصبح خريطة لا تتسع حتى لكامل الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.

في تلك الحقبة السوداء, كانت أرض الجهاد والفتوحات والحضارات, أرض الفراتين وأرض الشهداء لا تتسع لجثث أطفالها الذين يُصَفَّون بمئات الألوف على يد الغرب وأعوانه في حصار جائر لا مثيل له في التاريخ..

وفي الجزائر التي علّمت العالم معنى الحرية, والثورة, والتضحية.. معنى حب الوطن والوحدة الوطنية.. الجزائر التي آمنت بقول "الشابي", فحّولت الكلمات إلى فعل, وفي الخامس من جويلية عام 1962م استجاب لها القدر, وأثبت الإنسان الحر أن إرادته وإيمانه بالله لا تستوعبهما الكلمات.. أجل في هذه الجزائر, كان السّواد يوشّح كل شيء, في عشريّة لا أعادها الله علينا وعلى أمّتنا المكلوم.. هذه العشرية التي سرقت منّا أجمل سنوات عمرنا, وزرعت فينا اليأس والخوف... سرقت منا كل حلم جميل..!!

يا صديقي لقد عانى جيل التسعينات الأمرَّيْن, فكم هو صعب على المرء أن يصبح الأمن أسمى الأماني, والبقاء على قيد الحياة, أو حتى الموت الطبيعي حلما بعيد المنال..؟؟ ما أصعب أن يقف الوطن على حافة الصمت شاحبا, متهاوياً, يستصرخ أبناءه الطيبين, ولا حياة لمن تنادي..

والعرب..!! آهٍ.. آهٍ من العرب..!! فحتى الاسم أصبح ممنوعاً.. ليتحول الوطن العربي إلى مجموعات إقليمية, فخليج العرب خليجا لغيرهم, والشام ومصر أصبحا "شرقاً" أوسطا, وأصبح مغرب العرب "شمال أفريقيا" والسودان والصومال وجيبوتي "قرناً إفريقياً" وحتى جامعة العرب التي "لا تحكّ ولا تصكّ" باتت عرضة للتصفية لا لشيء سوى لأنها تحمل صفة "العربية".. لقد بات من حق الجميع في هذا العالم الظالم أن ينادي بالعرق والقومية والإثنية..و..و.. إلا العربيّ.. وكأن جميع شعوب الأرض أمم لها تاريخ وثقافة وحضارة, إلا نحن..!؟!

وفي خضم الزحف الأمريكي تحت عنوان "العولمة" ومحاولات "المارينز" العرب لطمس كل ما هو منير وما هو مشرق في تاريخنا, واعتبار "الأمركة" المنقذ الوحيد لهذه الأمة "الظلامية" المتخلّفة... كان لا بد من انتفاضة حضارية, انتفاضة تقول لزناة الليل: "قفوا"... فكانت فينيقيا وعشتاروت هذه الانتفاضة.

أما لماذا عدتُ إلى "الميتولوجيا", وتركت الرموز الإسلامية والعربية القريبة, فهذا من جانب ردة فعل كما قلت على تهافت الأدباء والكتاب العرب على الميتولوجيا الإغريقية. فبعد رحلة زاخرة بالقراءة الأسطورية, والبحث عن الأصل اكتشفت بأنّ معظم الأساطير الإغريقية استنساخ لأساطير عربية سواء كانت بابلية أو سومريّة أو آشورية أو يمنية أو فينيقية أو كنعانية... كما لفت انتباهي أمر بالغ الأهمية من خلال قراءة أسطورة زيوس وأوربا وشقيقها القدموس. فحتى الأساطير الغربية تحدّثت عن أمير صور "القدموس" الذي شقّ البحر لاسترجاع شقيقته "أوربا" والتي تم اختطافها على يد "زيوس". فكانت رحلة هذا الأمير المشرقيّ بوابة الخير والنور لأثينا وعموم أوربا. فالقدموس يا عزيزي قد قام ببناء حاضرة عظيمة من حواضر اليونان والتي سمِّيت باسمه: "كادمو". ونقل الحضارة إلى أثينا من خلال نقله للحرف(الأبجديّة) وطرق المعادن, وصناعة الخمور(عصر العنب). مما يعني بأن العلم والزراعة والصناعة وحتى المعمار, مصدرهم واحد ألا وهو بلاد العرب بلاد العلم والخير والعطاء. فلا فضل أكبر من فضل الذي علّم الكون الكتابة والقراءة. فلماذا يُطرشنا أدباؤنا وكتّابنا بفضل الإغريق والغرب عامة علينا وينسون أن هذا الحسن من صنع أيدينا كما قال شاعرنا الكبير بدوي الجبل:



doPoem(0)


حسن خلقناه من ألوان قدرتنا
فكيف يكفر فينا من خلقناه؟!


وعليَّ أن أعترف أن لكل من : الشاعر "عبد الوهاب البيّاتي" وصديقي الناقد الأستاذ"فيصل سايح" والأخت العزيزة الأديبة "سميرة بولمية" الفضل في دفعي لقراءة الأساطير. فولجت عالمها بشغف, قرأتها بلسان الدارس والباحث, والحمد لله كانت رحلة من أروع ما يكون. رحلة جعلتني أزداد اعتزازا بأمّتي وإيمانًا ببعثها وانعتاقها من واقعها المؤلم.

إنّ الوعي بالذات, وبحقيقة المؤامرة التي حيكت وتُحاك لنا, ورفض الانسياق والانجراف نحو الهيمنة الإمبراطورية لرعاة البقر. والمقاومة بجميع أشكالها, السبيل الوحيد للأمة من أجل الانعتاق والحرية. السبيل الوحيد نحو الانبعاث الجديد لأمة كانت وستبقى بإذن الله "خير أمة أخرجت للناس". وليست عشتاروت لأن زمانها قد ولّى, وبضاعتها لا تسمن ولا تغني من جوع.
إنّ ما حاولت عشتاروت ترسيخه من خلال ديوانيّ: "أصابع عشتاروت" و"خرائط عشتاروت هو: التمايز والتميّز الحضاري باعتبارهما أصلان من أصول النهضة. فالعولمة (إن صحّ هذا المصطلح أصلا) أخذ وعطاء, ولا مكان لمُسْتَلب فيها. والذوبان في الآخر يعني نهاية الأمة واندثارا لهويتها وكينونتها. أي أن عشتاروت صدمة كهربائية تحاول الحيلولة بيننا وبين الموت.

وأتذكّر في هذا المقام تعليقا للأديبة الدكتورة "رشيدة محمّدي" حين قرأت بعض قصائد "أصابع عشتاروت": "أنت لم تعد قراءة الأسطورة, ولم تقدّمها بثوب جديد وحسب, وإنما قمت أيضا بـ"أسلمة" الأسطورة ويتجلى هذا في التوظيف الديني, واستشراف التاريخ الإسلامي, واستقراء المستقبل من خلال إيمانك بغد هذه الأمة(...) وفي قصيدة "سارق النار" قمت بنسف عقائد الإغريق وجعلت القدموس القادم من صيدا حاملا لرسالة التوحيد. أما في "أسطول تارسيس" فقد قمت بثورة على التاريخ المزوّر للأمة, وسلخت جلد المزوِّرين من خلال توجيه أصابع الاتهام للبرامكة ولأبي فرج الأصفهاني...".

إذن لا يمكن أن نتحدث عن "عشتاروت" وعن "فينيقيا" وكأنهما رمزان جامدان, رمزان بقيا حبيسا الماضي الغابر, فعشتاروت في قصيدة "على ضفة نهر الأردن" كانت دليلي إلى فلسطين المحتلّة على سبيل المثال لا الحصر..
ولهذه الأسباب تجد بأن عشتاروت قد بدأت بالاختفاء ابتداء من منتصف ديوان "خرائط عشتاروت" لتعلن غيابها التام في دواويني اللاحقة. ولو كانت رمزاً عاديّا لما اختفت ولبقيت ترافقني إلى أن يشاء الله.

وأخيرا.. صحيح أن المقدمة والشروح في بداية ديوان "أصابع عشتاروت" قد أثقلوا الديوان, ولكن وجودهما ضروري ليس فقط من أجل تبسيط وتنوير درب القارئ, وإنما من أجل انحلال القارئ من عقدة الرمز المبهم, ودفعه لقراءة النص مجرّدا لكي تصل الفكرة, ويصل إلى الغاية التي أوجدت هذه التجربة. وعلى العموم ستبقى الكلمة الفصل للمتلقّي.


وبقيت عشتاروت في شعري لغزا محيرا, أو أريد له أن يكون كذلك إلى أن كتبت بطاقة تعريفية لهذه ال"عشتاروت" وهي عبارة عن قصيدة أسميتها: "هي":

هِيَ


نامتْ على صدري
وغطّاها النسيم بأضلعي
وتوسّدتها الذكريات..
وسافرتْ
في أدمعي
واستغرقتْ في البوح..
وانتفضتْ..
وعضّتْ إصبعي!!
فتورطتْ فيها العيون..
ومقلتاها مرْبعي..!!

ماجتْ وأذّن طرفها..
وتوضأتْ في مرفقي
وعلى بريق عيونها
لاحتْ عيون (الجرمق ِ)
وتخايلت فيها الرياح
وأشرقتْ
من (جلّق ِ)
وعلى أصابعها انتشتْ
بالمسك أحلام الربى
وشقائق النعمان صلّتْ
وارتوتْ في المفرق ِ
الآن عشتاروتُ قد نطق الهوى..
واخضرّ صدر المشرق ِ
فتمددي
في القلب آن حبيبتي
أن تنطقي

يا سور (عكا)
وانتفاضة (كرملي)
ورياح (صيدا)
حين تخطر من دمي
أختال فيها ما استطعتُ وإنّني
خلف الضفائر يا حبيبة
أحتمي..!!
وعلى المحاجر كم أهيم..
وكم أحاور مبسمي
أصطاف فيكِ على المدى
وإلى حنانكِ
أنتمي
أسقي العطاش.. وأرتوي
فأسيل خدّكِ موسمي
الآن عشتاروت أزهر شوقنا
فتحزّمي
وعلى المرايا أذّني
وتفجّري..
ليطلّ نور المسلم ِ..!؟!

--------------------------------
واليوم, وأنا أعد مجموعتي الشعرية الكاملة للطباعة, والتي وضعتها تحت عنوان: "النهر العربي المتجدد". عدت إلى نفس السؤال والتردد يزيد في حيرتي فهل يا ترى قد أمطت اللثام عن الرمز؟ أم أنني سأواجه ما واجهته من قبل؟

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فارس بلا جواد
الادارة العامة
الادارة العامة
فارس بلا جواد


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 9823
عمريَ » : 55
نقآطيَ » : 101170
تآريخ التسجيــل : 02/06/2008

لماذا عشتاروت؟/عدي شتات  Empty
مُساهمةموضوع: رد: لماذا عشتاروت؟/عدي شتات    لماذا عشتاروت؟/عدي شتات  Icon_minitimeالجمعة يوليو 30, 2010 3:09 am

بحث رائع و شامل و احتاج وقت

لارد عليه رد لائق بهذا المستوى المميز

اشكرك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://qisip.com/
 
لماذا عشتاروت؟/عدي شتات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حنين!! شعر عدي شتات
» د/عدي شتات على كرسي الإعتراف
» أذّن الحق..!! شعر عدي شتات
» قراءة المبدعة الكبيرة هيام م قبلان لقصة: جنون..!! ل:عدي شتات
» د . عدي شتات مشرف الاقسام الادبية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جبـل العرب :: 
المنتديات الأدبية
 :: قسم النقد والدراسات النقدية
-
انتقل الى: